من مكتب الرئيس نبيه بري، شغّل وزير الخارجية جبران باسيل محرّكاته، لمحاولة إيجاد حل لعقدة توزير «سنّة 8 آذار». بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالسعي إلى حل الأزمة التي تحول، منذ أسبوعين، دون تأليف الحكومة. قرر باسيل ضرب عصفور إضافي بالحجر نفسه: تمتين علاقته ببري، بعدما شهدت تحسناً لافتاً في الشهرين الماضيين، رغم ما شابها من سوء في السنوات الماضية. ومتسلحاً بموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي استقبله يوم الجمعة الفائت، بدأ رئيس التيار الوطني الحر مسعاه. أولى خطواته كانت بوضع سقف للحل: المشكلة في «اللقاء» التشاوري هي «اعتلال بالشكل لا بالمضمون»، قال باسيل، إذ لم يتم الإعلان عن الكتلة بعد الانتخابات، أو قبل الاستشارات النيابية. أما في المضمون، فـ«هذا اللقاء التشاوري لديه مضمونه السياسي وحيثيته الشعبية، ولا يستطيع احد ان يتنكر لهما، ولديه وضعيته النيابية، والمضمون السياسي والشعبي». كرر حديثه عن المعايير التي لا يرى فيها انتقاصاً من صلاحيات الرئيس المكلف تأليف الحكومة. بل على العكس، فإن الرئيس سعد الحريري نفسه اعتمد معيار عدد أعضاء الكتلة النيابية لتمثيلها وزارياً، ولم تُمثَّل أي كتل يقل عدد نوابها عن أربعة.أمر إضافي كان لافتاً في كلام باسيل، وهو تخليه عن تسمية العقدة بـ«السنية ــــ الشيعية»، إذ وصفها بـ«العقدة الوطنية، وكلنا مسؤولون عن حلها». وبرأيه، أن الحل يبصر النور في حال ساهم كل فريق من فرقاء الأزمة الثلاثة، أي حزب الله وتيار المستقبل واللقاء التشاوري، بـ«ثلث الحل»، على ألا يكون في الحكومة أي «احتكار لتمثيل اي مكون، بل ثمة أكثرية وأقلية لدى كل مكون. وفي كل مكون يتمثل الاثنان في حكومة الوحدة الوطنية. وهذا الامر يجب ان يسري على الجميع».
وبحسب مصادر مطلعة على مبادرة باسيل، فإن ثلث حزب الله مضمون في ما أعلنه السيد نصرالله، في خطابه الأخير عن قبوله بما يقبل به النواب الستة. وثلث الحريري أن لا يرفض مطلقاً تمثّلهم في الحكومة، وهو ما يفترض أن يلمّح اليه اليوم. أما الثلث الثالث فهو أن يقبل النواب الستة بأن يتمثّلوا بشخصية ليست منهم. وأضافت المصادر أن باسيل مقتنع بأن الحل لن يكون إلا وفق هذه المعادلة، مع تأكيده على «أننا لسنا طرفاً في المشكلة»، في إشارة الى ان لا حل من حصة رئيس الجمهورية.
بعد بري، التقى باسيل الحريري، ثم النائب فيصل كرامي. خلاصة اللقاءين كانت تحقيق شيء من التهدئة، لكن من دون تقدّم نحو حل أصل العقدة. الرئيس المكلف لا يزال على موقفه: منح وزير للقاء التشاوري من حصتي يعني انتحاري سياسياً. بدا وزير الخارجية، بحسب مصادر تيار المستقبل، كمن يريد أن ينتزع من الحريري إقراراً بحق معارضيه بالحصول على مقعد من حصة تيار المستقبل. أما كرامي، الذي طالبه باسيل بالتنازل، فأكد أنه وزملاءه لا يمكنهم التنازل، لانهم لا يطالبون بأكثر من حقهم، وأن من عليه التنازل هو تيار المستقبل. وأكّد كرامي المطالبة بمقعد وزاري من حصة المستقبل، لا من حصة رئيس الجهورية.
كرر الحريري أمس ان منح مقعد وزاري لمعارضيه يعني انتحاره سياسياً


واستطلع باسيل إمكان استنساخ تجربة حل العقدة الدرزية، كأن يسمّي رئيس الجمهورية شخصية سنية يقبل بها أعضاء اللقاء التشاوري، ولا تستفز الحريري. لكن مصادر اللقاء التشاوري أكدت بأن النواب المستقلين لن يقبلوا بتمثيلهم بوزير من خارج اللقاء. وأنهم قد أبلغوا هذا الأمر لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال زيارتهم الأخيرة الى بعبدا. ولفتت المصادر أنه في حال توزير أحدهم، فإنهم لن يقبلوا بأن يكون من ضمن كتلة رئيس الجمهورية الوزارية، بل سيكون ممثلهم في الحكومة مستقلاً.
وقالت مصادر التيار الوطني الحر إن جولة باسيل حققت في يومها الأول التهدئة، متوقعة ان يكون خطاب الرئيس الحريري اليوم عالي النبرة في الشكل، لكن مع ضمان عدم اعتذاره. وقالت المصادر إن «مسعى وزير الخارجية لم يبدأ اليوم (أمس)، بل باشره بلقاء السيد حسن نصرالله، الذي كان خطابه سيكون أكثر حدة لو لم يبلغه وزير الخارجية بمبادرته إلى إيجاد حل للازمة». وأكّدت المصادر أن التيار لم يجد نفسه مستهدفاً بحدّة خطاب نصرالله، وأن الأخير كان يوجه كلامه للرئيس المكلف، وللقوى التي اتهمت حزب الله بالتعطيل. وكان لافتاً في هذا الإطار تأكيد النائب الياس بوصعب في مقابلتين أمس «تفهّم كلام الامين العام لحزب الله الذي تحدّث رداً على المعطلين، فذهب لومهم في اتجاه حزب الله ونسوا تعطيلهم للتأليف».
ومن المنتظر أن يلتقي باسيل النائب السابق وليد جنبلاط اليوم.