مأزق تأليف الحكومة محكم الاقفال حتى اشعار آخر. ليس في وسع احد مفاتحة الافرقاء الثلاثة المعنيين به بتقديم تنازل الربع الساعة الاخير، اذا صحّ فعلاً ان لا مأزق بعده.تبعاً لعاملين على خط التواصل، فإن الايام المقبلة متروكة للصمت والسكينة ووقف التصعيد، قبل ولوج احتمالات حل بين الافرقاء الثلاثة الرئيسيين المعنيين، وهم رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري والثنائي الشيعي. لا حل خارج احدهم، ولا احد منهم في الوقت الحاضر جاهزاً للتنازل والتراجع عن تصلبه، ولا مناص من حلول وزير سنّي معارض في الحكومة المقبلة. والى ان تنجح مساع بعيدة عن الاضواء، من المتوقع مشاركة الحريري في ذكرى الاستقلال كرئيس مكلف ليس الا.
الى الآن يتمسك رئيس الجمهورية بالوزراء الاربعة في حصته، والرئيس المكلف برفض توزير سنّي من خارج تيار المستقبل يُفرض عليه ملوّحاً بالاعتذار عن تأليف الحكومة، وحزب الله بتأييد حلفائه النواب السنّة في اول اختراق جدّي له ومهم وبعيد من البقاع الشمالي في هذه الطائفة منذ عام 2005 بتمكنه ــــ بدعم مباشر او غير مباشر ــــمن انتزاع اقل من ثلث المقاعد السنّية الـ27 من الحريري وتياره.
لكن المعطيات المحيطة بالعقدة السنّية تشير الى ملاحظات:
اولها، مذ جيء الكلام على توزير سنّة من خارج تيار المستقبل لم يهضمه الحريري، وكان ترافق مع القول بتوزير سنّيين اثنين احدهما في حصة رئيس الجمهورية رُشّح له فادي عسلي، وآخر من النواب السنّة الستة المعارضين للحريري. كان ثمة ما يبرّر، في مرحلة اولى، قبوله بالمقعد الاول لعسلي في مقابل حصوله هو على مقعد ماروني يُحلّ فيه الوزير غطاس الخوري، ويكون مناسبة لقطع الطريق على اي توزير آخر في الطائفة. راح الحريري يقول ان حصته هي اربعة مقاعد سنّية زائداً وزيراً مارونياً زائداً رئاسة الحكومة، كي يحصد حصة من ستة مساوية للحصة السنّية، ويقلل من الطرح الآخر ويتصرّف على انه غير ذي اهمية.
ثانيها، لم تُحجَب يوماً المطالبة بتوزير واحد من النواب السنّة المعارضين عن مراحل التكليف منذ 24 ايار. ولأنه لم يُرِد تلقفها بجدية وظنّها مناورة، وضع الرئيس المكلف في صدارة الاهتمام العقدة المسيحية الى ان سوّيت بموافقة حزب القوات اللبنانية في 29 تشرين الاول على المشاركة في الحكومة بالحصة المتبقية التي أُعطيت لها. في المقابل ثابر الثنائي الشيعي على التمسك بتوزير نائب سنّي معارض. وهو ما ابلغه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الى الحريري في المرتين الاخيرتين اللتين استقبله فيهما، خصوصاً في 27 تشرين الاول، عشية موعد محتمل لاصدار المراسيم.
ما يكشفه برّي انه نصح الرئيس المكلف والنواب السنّة المعارضين مراراً في الاشهر الاخيرة بضرورة التفاهم قبل التسبّب في المشكلة. للاول قال بمحاورتهم، وللآخرين دعاهم الى تمييز انفسهم عن الكتل التي ينتمون اليها من خلال تكتل جديد كان يقتضي ان يسارعوا اليه غداة الانتخابات النيابية قبل التكليف، وقبل الوصول الى هذا اليوم. اعاد على الحريري في 27 تشرين الاول الكلام نفسه، وعليهم في 30 تشرين الاول حينما استقبلهم. قال للفريقين ايضاً انهما لم يصغيا، وتبادلا الاخطاء. مع ذلك ساءته ردود الفعل الاخيرة الناجمة عن رفض الحريري التجاوب مع هذا المطلب، وانضمام دار الافتاء الى الحملة، وتصوير الخلاف على توزير احد اولئك على انه مشكلة سنّية ــــ شيعية. اوصل بري الى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، على اثر بيان دار الافتاء، لوماً مفاده ان المشكلة سياسية فعلاً. ليست بين سنّة وشيعة، بل بين افرقاء ينتمون الى الطائفة نفسها.
يعقب برّي: «توزير نائب سنّي معارض ليس ابن ساعته. طُرح منذ اليوم الاول، ولا دخل للخارج به. لا افهم كيف اصبحت المشكلة فجأة كأنها نزاع بين السنّة والشيعة؟».
ثالثها، في وقت توقّع الافرقاء جميعاً ابصار الحكومة النور الاحد الفائت 28 تشرين الاول، او في احسن الاحوال عشية ذكرى انتخاب رئيس الجمهورية، كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الوحيد بين هؤلاء، مستبقاً اياهم لعشرة ايام خلت، في 19 تشرين الاول، يؤكد على تفاؤله بالتأليف وينصح بعدم وضع مهل زمنية. اتى موقفه هذا بعد شهر على آخر اعلنه في 19 ايلول، بقوله ان الحكومة ستؤلف، ثم اضاف ان احداً لا يمكنه إلغاء احد. اشارة مباشرة ــــ في ما عناه في عزّ الخوض في العقدة المسيحية ــــ الى ان ثمة ما هو تحت السطح لا يعترف به الرئيس المكلف او يثابر على تجاهله، هو العقدة السنّية. بذلك لم يكن مستغرباً تطابق موقف الثنائي الشيعي بازاء الاصرار على توزير سنّي معارض، وتتمةً لما اعلنه نصرالله تكراراً من انه مصر على احترام نتائج الانتخابات النيابية.
عون فاتح حزب الله سابقاً بعدم توزير سنّي معارض و«حصل تفاهم»


رابعها، تدور اقتراحات التسوية المحتملة على توزير نائب سنّي معارض واحد فقط، خارج حصة رئيس الجمهورية. بيد ان ذلك يقتضي موافقة الرئيس اولاً على خفض حصته من اربعة وزراء الى ثلاثة.
في صلب تمسّكه بأربعة مقاعد من بينهم وزير سنّي، تأكيد وجهة نظره التي تسببت في الخلاف مع النائب السابق وليد جنبلاط قبل تسويته اخيراً، وهو ان لن يمنح زعيم طائفة ـ اياً يكن ـ كل مقاعد وزرائها تفادياً لقبضها على مفتاح تعطيل مجلس الوزراء بإسم الميثاقية. وهو ما حصل بادخال الوزير الدرزي الثالث في حصة رئيس الجمهورية.
في الاقتراحات غير النهائية الآن استمزاج الرئيس في الموافقة على خفض حصته، على ان يكون الوزير السنّي المعارض من حصة التكتل الذي يجمع النواب السنّة. الى اللحظة، لا يرى رئيس الجمهورية سبباً مقنعاً لتوزير اي منهم، ويتحدث مطلعون عن قرب على موقفه بأنه سبق ان تحدّث مع حزب الله في هذا الشأن، و«حصل تفاهم» بينهما. سرعان ما فوجىء عون بتصعيد حزب الله مطالبته بتوزير احد هؤلاء. لاقى الحريري وجهة نظر الرئيس بقوله ان لا يوقع مرسوم توزير اي من هؤلاء سواء من حصته او من اي حصة اخرى، ما عنى ان رفضه مطلق.