«ما أقدم عليه المدعى عليهم جاء كردّة فعلٍ عفوية من قبلهم على توجه السلطة العامة لفرض المزيد من الضرائب، في الوقت الذي يرزح فيه المواطنون تحت وطأة الضائقة الاقتصادية المتفاقمة (...)». هكذا، ارتأت القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، عبير صفا، أن تبدأ مطالعتها لتصدر قرارها القاضي بإبطال التعقبات بحق خمسة ناشطين (المحاميين مروان معلوف وفؤاد الدبس من مجموعة «من أجل الجمهورية» وماتيو الحلو وسينتيا سليمان وماري جوزيه القزي من مجموعة «الحراك الشعبي»)، في الدعوى المقامة ضدهم على خلفية «رشّ» غرافيتي على بلوكات إسمنتية، رفضاً لزيادة الضرائب. قد لا يكون هذا الحكم الأول من نوعه الذي يصدره أحد القضاة، ولكن أهميته تتأتى من كونه جاء ليشدّد على أن ما فعله هؤلاء هو «فشّة خلق» عفوية في إطار التعبير عن حرية إبداء الرأي التي كفلها الدستور في مادته الثالثة عشرة، وفعل «الرشّ» لا يعدو كونه وسيلة سلمية احتجاجية للتعبير عن «مسائل يومية حياتية تعبر عن معاناة الشعب اللبناني الاقتصادية والاجتماعية منها في ظل ظروف صعبة غير خافية على أحد». لم تقل صفا ما هو غير اعتيادي، فهي في النهاية «واحدة من هذا المجتمع الذي عانى ولا يزال». تعرف ماذا يعني فرض الضرائب على مواطنين بالكاد تلامس معيشتهم الحد الأدنى. لذلك، كان قرارها.
ما فعله المدّعى عليهم هو «فشّة خلق» عفوية في إطار التعبير عن حرية الرأي

ولم تتوقف الأخيرة عند هذا البعد العام، فدخلت في تفاصيل الدعوى، وفندتها عبارة عبارة، فاعتبرت أن عبارة «إنتو سرقتوا» لم تكن موجهة ضد أحدٍ من السلطة، وإن جاءت بشكلٍ مباشر وقاسٍ، بل كانت «وليدة واقع الحال الاقتصادي والاجتماعي السائد في البلد». ولأنها كذلك، يسقط العنصر المعنوي لجرمي القدح والذم. كما سقط العنصر المعنوي لجرم التخريب والمنصوص عليه في المادة 730 من قانون العقوبات. فهذه الأخيرة «غير متوافره»، إذ أن ما فعله المدعى عليهم لم يكن بهدف تخريب الممتلكات، بقدر ما كان بهدف «إيصال رسالة معينة إلى السلطة العامة، تتمثل برفض توجهها الى فرض المزيد من الضرائب على المواطنين». ربما، لا يمكن اعتبار ما فعلته القاضية إنجازاً، فهذا واجبها في تطبيق القانون، ولكنه يبقى حكماً يقول إن «القضاء معنا»، بحسب معلوف. يصف الأخير الحكم بـ«الحلو». والتعبير هنا ليس للحديث عن الإبطال بحد ذاته، وإنما للإشادة بالتعليل الذي أوردته صفا، والذي كان جلّه تذكير السلطة العامة بمعاناة المواطنين وأن ما فعله هؤلاء ليش شتماً لمن هم في السلطة، وإنما للتعبير عن رأيهم والقول لها: «طفح الكيل».