منذ سنوات بدأت إدارة شركة «سوليدير» خطّة لصرف الموظفين، على دفعات كل بضعة أشهر، بهدف «خفض النفقات التشغيلية». في هذا السياق، جاء قرار الشركة قبل أيام صرف 100 من موظّفيها. الهدف الرئيس لعمليات الصرف هو امتصاص تذمّر المساهمين الراغبين في توزيع أنصبة أرباح، والذين يرون في نفقات الشركة هدراً وفساداً غير مبررين. إلا أن الواقع هو أن الأعباء الحقيقية، رغم عمليات الصرف، زادت بدل أن تنخفض.أوحت إدارة الشركة أنها تتخلّص من توظيفات وأعباء فرضتها تدخلات سياسية من قيادة تيار المستقبل ووزرائه ونوابه ومنسقيه. إلا أنها، عملياً، ركّزت على صرف موظفين وعمّال ممن يتقاضون رواتب متدنية ويعملون في «وظائف دنيا». فيما زادت، في المقابل، أعداد ذوي الرواتب المرتفعة، خصوصاً من أنسباء رئيس مجلس الإدارة ناصر الشمّاع والمقربين منه، وحافظت على مستوى البذخ الذي يتمتع به رئيس مجلس الادارة وأعضاؤه.
المسار الذي بدأه الشمّاع في السنوات الماضية، استكمله هذه السنة أيضاً من دون أن يعرض أي خطّة واضحة لعمليات الصرف والهدف المالي والفعلي منها. في اجتماع مجلس الإدارة الأخير، وردت على لسانه جملة «سريعة» عن استكمال عمليات صرف الموظفين. لم يسأل أي من أعضاء مجلس الإدارة المعيّن حديثاً من ممثلين لكبار المساهمين في الشركة عن الأمر، ولم يناقشوا فيه أو يطلبوا الاطلاع على خطّة أو أسماء، رغم علمهم أن مثل هذه القرارات لن تصحّح الخلل المالي في الشركة، طالما أنها تصيب أساساً صغار العمال، وغالبيتهم من فقراء الشمال وبيروت وصيدا. علماً أن المسّ بهؤلاء يشكّل ضربة للرئيس سعد الحريري من «بيت أبيه»، كون غالبيتهم العظمى من مؤيدي تيار المستقبل، ومن مناطق تعتبر «خزّانه» الشعبي والانتخابي.
وبحسب مصادر الموظفين، فقد طُلب من كل من رؤساء الأقسام في الشركة أن يرشّح اسمين أو ثلاثة للصرف ما أسفر عن سلّة من عشرات الأسماء لعاملين في أقسام الحرس والصيانة والسائقين وغيرها من الأعمال المماثلة. علماً أن خطة الشماع تقضي باستبدال المصروفين بعقود خدمات خارجية مع شركات خاصة للقيام بمهامّ هؤلاء!
عمليات الصرف لا تعني حكماً انخفاض النفقات التشغيلية للشركة التي ارتفعت نفقاتها الادارية في السنوات الماضية، رغم ادّعائها في تقريرها السنوي الأخير أمام الجمعية العمومية أنها «استمرّت في سياسة خفض النفقات العمومية والإدارية، خاصة من خلال تقليص عدد العاملين ضمن مختلف الأجهزة التشغيلية والإدارية بحيث انخفض عدد العاملين في الشركة منذ أربعة أعوام حتى الآن بنسبة 25%».
تقليص 25% من الموظفين لم ينعكس خفضاً في النفقات التشغيلية


إلا أن الأرقام تشير إلى واقع مختلف. ففي عام 2012 كانت الكلفة الإدارية 34.1 مليون دولار، خفضتها الشركة في السنة التالية إلى 28.3 مليون دولار. لكنها عادت الى الارتفاع الى 31.1 مليون دولار في 2014، ثم 33.8 مليون دولار في 2015، وتضخّمت إلى 34.8 مليون دولار في 2016، وارتفعت في 2017 إلى 35.1 مليون دولار.
هذا التطور في النفقات يأتي رغم خطّة الصرف التي لم تطل أنسباء الشمّاع، والمقرّبين منه، من كبار المديرين في الشركة ممن يعملون برواتب خيالية وبعقود استشارية. حتى أن بعض من بلغ سن التقاعد من هؤلاء، بقوا في الشركة بعدما وُقعت معهم عقود استشارية. مثال على ذلك، منير الدويدي الذي بقي يعمل في الشركة بعقد سنوي، قبل أن يوقف الشمّاع تجديد عقده، ثم يصدر قراراً بتعيينه مستشاراً له بصلاحيات واسعة، وتعيين راني كريمة (ابن شقيقة الدويدي) نائباً للمدير العام.



اين اختفى «دبّور 18»؟
في 18 تشرين الأول ظهر على «تويتر» حساب باسم «دبّور 18» تحدّث عن تجمّعات في طريق الجديدة احتجاجاً على صرف جماعي من إحدى الشركات المحسوبة على رئيس الحكومة. في اليوم التالي علق «دبور» بالقول: «نصف ساعة ويجتمع أعضاء مغارة علي بابا لإعلان لائحة قطع الأرزاق». ووجه سؤالا لسعد الحريري وشركة «سوليدير»: «لماذا الحرب على الفقراء؟ لماذا الحرب على جمهورك ومؤيديك؟ لماذا الحرب على قاعدتك الشعبية؟. سعد الحريري يصرف من شركة سوليدير مَن راتبه لا يتعدى الألف دولار، ليدفع رواتب أمثال أ. ن. الذي يفوق الـ25 ألف دولار ويملك أكثر من ثلاث شقق في مشروع الصيفي. من هي ج. ن. وابنها أ. ن.، ومن أين لها قصر في سوليدير؟ من هي ر. ن. ليكون راتبها 10 آلاف دولار؟».
لاحقاً اختفى «دبّور» عن «تويتر» وأصبح حساباً محذوفاً، رغم أن القسم الأكبر من معطياته كان دقيقاً.