قبل نحو شهر ونصف شهر، أوصدت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية باب مكتبة كلية الدراسات الإسلامية في منطقة الضناوي في بيروت أمام روادها. فجأة، أبلغت الكلية الجامعية طلابها والراغبين في التسجيل فيها بأنها نقلت التدريس «مؤقتاً» إلى مبنى كلية البنات في منطقة الباشورة، في حين بقيت الضبابية تلف مصير المكتبة التي تعدّ «واحدة من أهم سبع مكتبات في لبنان» (كتاب «المخطوطات العربية ــــ جامعة القديس يوسف).
(هيثم الموسوي)

بعض الرواد أبدوا خشيتهم من إسدال الستارة، نهائياً، على تاريخ طويل لواحدة من أغنى المكتبات المتخصصة بالفكر الإسلامي القديم والحديث. إذ يصعب الفصل بين الأزمة المالية للجمعية والقرار المفاجئ، وما إذا كان يدخل ضمن رؤية إعادة الهيكلة الشاملة للرئيس الجديد للجمعية فيصل سنو. في الحد الأدنى، ينتظر هؤلاء خطوات تطمئنهم إلى نية الجمعية إعادة فتح المكتبة قريباً وحماية هذا الإرث الثقافي العريق.
يحز في نفس رواد مكتبة المقاصد أن تكون هناك نية للقضاء على هذا المعلم في وقت تصرف فيه ملايين الدولارات لتطوير المكتبات الجامعية وصيانة موجوداتها. وميزة هذه المكتبة بالذات أنها تختزن حكايات كتب جمعت من البيوتات البيروتية ومتختاتها. بعد إنشاء المقاصد (أُسِّست عام 1878) مدرسة للإناث، ثم مدرستين للذكور، قرّرت إقامة «مكتبة عامة للمطالعة» في منطقة الحرج في بيروت عام 1921. وبحلول خمسينيات القرن الماضي، باتت تضم مجموعة كبيرة من الكتب أوقفها للمكتبة وجهاء وعلماء بيارتة. وفي الستينيات، تبرّع علّامة بيروت الشيخ سعيد أياس بمجموعة ضمت 450 مخطوطاً شكّلت نواة مجموعة مخطوطات المكتبة التي تراوح أعمارها بين قرنين وسبعة قرون، معظمها في حالة جيدة، وأقدمها كتاب عنوانه «ديوان الحادرة»، نسخه جمال الدين ياقوت الرومي المستعصمي المتوفى عام 1291، وهو من مشاهير الكتبة. كما تضم المجموعة عدداً مهماً من المخطوطات الطبية. عام 1986 نُقلت المكتبة إلى المبنى الحالي الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1923.
واحدة من أهم سبع مكتبات في لبنان تضم 508 مخطوطات


عميد كلية الدراسات الإسلامية، أمين فرشوخ، أكّد لـ«الأخبار» أن الإقفال «مؤقت» و«إعادة تموضع بهدف ترميم المبنى المتهالك بجدرانه الرملية وتأهيله، ثم استثماره من جديد». وينفي كل ما يتردد عن بيع أملاك تابعة للجمعية، وخصوصاً العقار الذي يضم مبنى المكتبة «التراثي»، إذ إنه من «الأملاك الوقفية قدّمه آل الحص إلى الجمعية». لذا، «ليس وارداً أن نلعب بالنار هنا». يقر فرشوخ بأنّ «عودة الكلية إلى المبنى نفسه ليست مضمونة». مع ذلك، يجزم بأن المكتبة لن تقفل وستعود إلى طلابها والمهتمين بمقتنياتها خلال وقت قصير، «فلا جامعة بلا مكتبة».
كم سيستغرق الإغلاق؟ الأمر معلّق على الإسراع في إنجاز «ديزاين» حديث للمكتبة لجهة التوضيب والإضاءة «قد يستغرق شهرين»، لافتاً الى «أننا، كخطوة ضرورية، نقلنا إلى الباشورة المخطوطات ووضعناها في غرفة مستقلة على درجة حرارة منخفضة»، إضافة إلى نحو 400 كتاب تفيد طلاب الكلية مباشرة في أطروحاتهم ورسائلهم البحثية. ماذا عن الباقي؟ يأخذنا العميد إلى قاعة فارغة تنوي الجمعية إعادة تأهيلها لنقل المكتبة إليها. يعجز المرء عن التصديق بأنّ هذا المكان يمكن أن يتسع للمكتبة التي تحوي 508 مخطوطات ورقية أصلية و120 ألف كتاب وأعداداً كبيرة من الكتب الأجنبية والدوريات العربية والأجنبية. لكن فرشوخ يؤكد أن «المخطط سيجهز خلال أيام، والمهندسة التي تعكف على إنجازه أكدت هذه الإمكانية عبر استخدام تصاميم حديثة تسمح بتوضيب أكبر عدد ممكن من الكتب في حيّز صغير»!