في الطريق إلى داخل مخيّم برج البراجنة، لا شيء يوحي بأن المشروع الجاري إطلاقه في المخيّم متعلّق بالبيئة أو الزراعة العضوية. كثافة المباني وهشاشتها، تشابك الأسلاك الكهربائية وحجبها للشمس، روائح المياه الآسنة، وانعدام المساحات الخضراء... المشاهد نفسها تتكرّر لدى زيارة أي مخيّم للاجئين الفلسطينيين. لكن المختلف في «مخيّم البرج»، أمس، كان إطلاق مشروع «الحديقة العضويةّ على السطح» من قبل جمعيّة البرامج النسائيّة على سطح مبنى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (أونروا)، بالتعاون مع شركة «Cedar Environmental» ومؤسسها المهندس زياد أبي شاكر، وبتمويل من السفارة النروجية في لبنان.«سبانخ، ملفوف، بروكولي، قرنبيط، بصل، هندبة، زعتر، وحشائش... هي الخضار العضوية التي ستنتج من تشتيل نحو 2600 شتلة على مساحة مئة متر مربّع من سطح مبنى الأونروا» يقول أبي شاكر. بينما يثبّت إحدى الشتول في «الهياكل العموديّة»، يشرح عنها: «هذه الهياكل أو المستوعبات التي نزرع فيها صمّمت من ألواح مصنوعة من تدوير البلاستيك وأكياس النايلون». داخل المستوعبات يوضع تراب هو وفق أبي شاكر «مزيج من سماد عضوي (ناتج من تسميد المواد العضوية) إضافة إلى تراب ناتج عن فرم البقايا الزراعية (أغصان، أعشاب...) والتراب الأحمر». مشروع أبي شاكر الذي بدأه قبل سنوات، وينفّذ نموذجاّ عنه في المخيّم، يقوم على «الاستفادة من مساحة السطوح (المائتة) واستثمارها لإنشاء حدائق عضوية»، أما الهدف فهو «تبديل نظرتنا إلى النفايات والتفكير باستغلالها كمورد وليس كمشكلة، بدلاً من السعي إلى التخلّص منها بالمحارق والمكبات». ري الحديقة العضويّة يعتمد على تجميع المياه الناجمة عن المكيّفات الـ12 الموجودة في مبنى الوكالة، حيث جرى «وصل القساطل إلى خزان لتجميع المياه وإعادة ضخّها لري المزروعات من مياه المكيّفات المقطّرة، اما في الشتاء فلا حاجة للري ولا تأثير للبرد على المزروعات كون المنطقة ساحليّة».
يقوم المشروع على استثمار سطوح البيوت في المخيم الذي لا مساحات خضراء فيه


قبالة سطح مبنى «الأونروا» سطوح تقلّ عنه مساحة، وشرفات ترفع عليها أعلام فلسطين. على السطح أيضاً نظام «متواضع» لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. أما الحديقة العضويّة فيه فتشكلّ «دخيلاً» إيجابياً ومساحة منتجة وسط زحمة المخيّم، وقد جرى اختيار الشتول بالتطابق مع لائحة الخضار التي يحتاج إليها مطبخ برنامج «سفرة». والبرنامج كناية عن مطبخ ووحدة تموين أنشأته «جمعية البرامج النسائية» الفلسطينيّة لدعم اللاجئات وتمكينهنّ. تشير مديرة مشروع الحديقة مريم الشيخ عيسى إلى «أن مطبخ سفرة موجود في مبنى الأونروا وتعمل فيه نحو أربعين امرأة فلسطينية على إعداد طلبات طعام ومونة إلى المخيم وخارجه ويعود ريعها لدعم العاملات»، وتتابع «جمعيتنا كانت تابعة للأونروا لكنها وفق استراتيجيّة الوكالة أصبحت مستقلّة عنها، ولدينا 9 مراكز في المخيمات الفلسطينية. إذا نجح مشروع الحديقة سنفكّر بتكراره على غير سطوح». تصرّ اللاجئات هنا على خلق حياة مختلفة، زاهية كالألوان التي يضجّ بها مبنى الوكالة من داخله، فيما تزداد الأزقّة الضيّقة خارجه قتامةً ومعها صعوبة الظروف المعيشيّة لسكانها.