انتهت مفاعيل استعراض الصور الصناعية الإسرائيلية حول «مستودعات» صواريخ حزب الله و«مصانعها»، ولم تنشب الحرب. قد يكون خاب ظن البعض وآمال بعضٍ آخر، إلا أن النتيجة تعود وتؤكد أكثر من السابق ما كان مؤكداً: كلما ارتفعت نبرة تهديد اسرائيل واستعراضاتها في ظل ميزان القدرة بينها وبين عدوها، فالأرجح استمرار حالة اللاقتال واستبعاد الحرب.مع ذلك، الحرب غير الصاخبة بين الجانبين، قائمة ومستمرة وتدور رحاها بأشكال وأساليب غير قتالية، وهي ترجمة لخيارات لجأت إليها إسرائيل لتعذر الحرب في موازاة تعذر التعايش مع تهديد حزب الله واستمرار تنامي قدراته، كمّاً ونوعاً و... «دقّة».
قبل أيام، نظّم مركز القدس للشؤون الاستراتيجية في القدس المحتلة مؤتمراً تحت عنوان «إيران وإسرائيل ـــ تصادم». كان لحزب الله مساحة معتبرة في مداولات المؤتمر وكلماته، والذي شارك فيه وزراء ومسؤولون عسكريون وكبار المعلقين والاستراتيجيين في إسرائيل. برزت من على المنبر قدرة توصيف يٌعتدّ بها لتهديد حزب الله وتناميه ومقارنته بما سبق، مع توصيف مهني وتقني للتحديات التي يشكلها، لكن مع تلعثم ظاهر جداً في تحديد الخيارات المتاحة للمواجهة، في ظل تعقيدات التهديد ومركباته وظروفه.
البارز في المؤتمر كان كلمة وزير الداخلية والشؤون الاستراتيجية وعضو المجلس الوزاري المصغر، غلعاد اردان، الذي تحدث باسم الحكومة الاسرائيلية، عارضاً التهديدات والخيارات، ومشدداً على أن حزب الله بات يملك ترسانة صاروخية هجومية ضخمة مؤلفة من ١٥٠ ألف صاروخ. ويمثل هذا الرقم تطوراً كمياً بعشرين ألفاً عن آخر التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية (١٣٠ ألفا)، خلال فترة تنفيذ سياسة «الخطوط الحمر» الاسرائيلية الرامية إلى منع نقل السلاح من سوريا ولبنان.
في تأكيد على حضور الصواريخ الدقيقة والخشية من تعاظمها، شدّد اردان على إرادة المنع وسياسة الصد التي تتبعها إسرائيل لمواجهة هذا النوع من التسلح. وهذا النوع يصفه الإعلام العبري بالهاجس الذي يقلق صانع القرار في تل أبيب، وتحديداً لجهة تداعياته على مجمل ميزان القوى بين الجانبين، مع أو من دون نشوب الحرب المقبلة.
لفت اردان الى أن «الخطر لا يرتبط حصراً بالساحة اللبنانية والتسلح والدقة، إذ يُعَد حزب الله مركّباً من مركبات قوس تهديد خانق يحوط إسرائيل، بما يشمل أيضاً الغرب العراقي، حيث يُعمل على إنشاء بنية تحتية في هذه المنطقة لاستهداف إسرائيل صاروخياً، إن نشبت الحرب، إضافة الى ساحات إقليمية أخرى ينشط فيها حزب الله».
وكما هي العادة المتّبعة إسرائيلياً، وجّه اردان تهديداً مكرراً إلى حزب الله، شدد فيه على إمكان استهداف منشآت بنية تحتية في لبنان ترتبط بالقدرة الصاروخية للمقاومة. تهديد يأتي في ظل خشية متواصلة من تصعيد أمني مع قطاع غزة، الذي أعطى في الايام القليلة الماضية تذكيراً للإسرائيليين بقدرة التدمير المنتظرة في حال نشوب المواجهة مع حزب الله.
الصاروخ الفلسطيني الذي سقط قبل أيام على مبنى في مدينة بئر السبع المحتلة، وكاد يدمر طبقاته الثلاث، رغم تواضع شحنته التفجيرية قياساً بصواريخ حزب الله، كان مادة مقارنة في الإعلام العبري عمّا ينتظر إسرائيل، إنْ قررت المجازفة.
في ذلك، أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى «زيادة تهريب» السلاح الدقيق إلى لبنان من سوريا، فضلاً عن تهريب مكونات تطوير الترسانة الصاروخية عبر قِطع منظومات الـ«جي بي اس» لتحديد المواقع، وهو ما نجح فيه حزب الله في الشهر الأخير. وتضيف الصحيفة أن مصادر إسرائيلية أيضاً تؤكد بشكل منفصل على ما يرد في الإعلام الأميركي حول هذه المسألة تحديداً، في إشارة إلى تقرير «فوكس نيوز» حول نقل السلاح المتطور ومنظومات التوجيه والدقة عبر الـ«جي بي اس» الى لبنان.
وأكد التقرير ضرورة استحضار الإصابة التي لحقت بمبنى بئر السبع، بوصفها إشارة الى الآتي في مواجهة حزب الله: «هي إصابة تسبّب فيها صاروخ واحد بوزن 20 كيلوغراماً في بئر السبع، فقط 20 كيلوغراماً، وهو صاروخ غير دقيق، وشاهدنا الضرر. حزب الله لديه الآلاف من هذه الصواريخ، ومئات الصواريخ التي تحمل مئات الكيلوغرامات من المواد الناسفة لكل صاروخ، ومع شعاع إصابة يبلغ مئات الأمتار. هذا هو التهديد المركزي، وقد تلقينا تذكاراً فقط بشكل مصغر عمّا هو متوقع لنا على الجبهة الشمالية، الأمر الذي يجب أن يقلق إسرائيل أكثر من كل شيء آخر».