بعيداً من المناطق المكتظة بالسكان في بيروت وجبل لبنان والمدن الكبرى، ثمة تجارب كثيرة عن مولّدات أسعار اشتراكاتها أقلّ. الـ 100 ألف ليرة ثمن الاشتراك التقريبي في أشهر الصيف للـ 5 أمبير في سدّ البوشرية مثلاً، يمكن أن تضمن لك اشتراك 10 أمبير في قضاء بشرّي. في برحليون، إحدى قرى القضاء تبدأ التسعيرة من 40 ألف ليرة لثلاثة أمبير، 60 ألف لـ 5 أمبير وتصل إلى 120 ألف للأمبيرات العشرة بحسب «قارئ العدادات» في القرية أنيس كرم. الأسعار شبه ثابتة لا تتغيّر شهريّاً. ومفهوم المولّدات هنا ليس مفهوماً مرسّخاً كما في بيروت، بل هو مستجدّ حيث اعتاد السكان في السنوات الماضية إمّا أن تكون لديهم مولّداتهم الصغيرة الخاصة أو أن يعتمدوا على الـ UPS، خاصّةً أنْ لا مكيّفات في قرى ترتفع عن سطح البحر فوق الألف متر. في القرية نحو مئة وعشرين منزلاً تحصل على كهرباء المولّد المؤمّن من البلديّة، ولا تتعدّى نسبة من لديهم عدّادات الستين في المئة. أمّا التسعيرة لمن له عدّاد، فقد ارتفعت من الـ 350 إلى الـ 450 ليرة عن كل كيلوواط نظراً لارتفاع سعر المازوت، مع رسم مقطوع بـ 20 ألف ليرة شهرية. «يستغلي» البعض في القرية الأسعار مقارنةً بالجوار. ففي قرية قنات سعر الـ 5 أمبير هو 50 ألف ليرة، وسعر الـ 10 أمبير هو 85 ألف ليرة شهريّاً. أمّا في قرية عبدين، فارتفع سعر الـ 10 أمبير من 75 ألف إلى 90 ألف مع ارتفاع سعر المازوت. مع الإشارة إلى أنْ لا تقنين للمولدات في القريتين الأخيرتين، وأنّ القرى الثلاث متشابهة من حيث الحجم وساعات التغذية الكهربائيّة. قائمقام بشرّي ربى الشفشق القائمة بأعمال بلديّة برحليون، تشير إلى أنّ سبب ارتفاع الكلفة عن القرى المجاورة يعود إلى أن البلدية لم تحصل على أي دعم لشراء المولّد وأنّها لا تزال في مرحلة تسديد ثمنه، واعدةً بانخفاض الأسعار حالما ينتهي التسديد باعتباره خدمةً لا تبغي الربح (المولدات ملك للمجالس البلدية).
بعض التجارب في الأرياف تكشف الأرباح الخيالية التي يحصّلها بعض أصحاب المولدات في المدن والضواحي

تكلفة الإمدادات هي 100$ «ليكون الإمداد الكهربائي موازياً بين كلّ بيوت القرية، علماً أنّ بعضها يكلّف الإمداد لها أكثر من هذا المبلغ»، وقد بدأت البلديّة منذ بداية هذا الشهر بوقف تشغيل المولّد بضع ساعاتٍ ليلاً لكي «توفّي». نسأل عمّا إذا كانت البلدية ملتزمة قرار الوزير بشأن العدّادات، فيكون الجواب أنّ العدّادات موجودة لمن يريد. فيما يقول بعض السكان إنّ البلديّة لم تقبل بوضع العدّادات إلّا لغير المقيمين الدائمين، أي للمصطافين فقط.
تقنيّاً، قد تثبت هذه التجارب فشلها أو نجاحها بعد حين، لكنها مثال قائم على الأرباح الخيالية التي يحصّلها بعض أصحاب المولدات في المدن الكبرى والضواحي والمناطق المكتظة، برعاية وزارة الاقتصاد. بالتاكيد، لا يمكن المقارنة بين تجربة المولدات في المناطق الساحلية، وتلك الموجودة في القرى الجبلية العالية، من دون الأخذ في الحسبان أن الاستهلاك أكبر على الساحل، خاصّةً مع ثقل المكيّفات صيفاً. بالتالي، تكاليف صيانة المولّدات أكبر، بالإضافة إلى حرارة الطقس التي تخفض من قدرة عمل المولّدات. لكن الثابت أن التجربة في بعض الأرياف الجبلية تؤكد إمكان بيع كهرباء المولّدات الخاصة، «غير القانونية»، بكلفة غير مرتفعة على السكان. يبقى أنّ قصة المولّدات في لبنان مثل «قصة» الحفرة في الطريق التي دفعت خطورتها «الحكومة» إلى إقامة مستشفى ومطعم ومخفر بقربها... حلولٌ عديدة إلّا للحفرة نفسها.