يوم 30 أيلول الماضي، عرضَ تلفزيون« الجديد» تسجيلاً صوتياً منسوباً لوزير الاتصالات جمال الجراح، يتوعّد فيه الرئيس سعد الحريري. يقول: «ما بظن سعد بيلعب هاللعبة معنا أو مع أهل البقاع ومعي أنا بالذات، لأنو بدو يكون ردّي عنيف وقاسي». أتى كلام الجرّاح في سياق حديث عن تشكيل الحكومة، معتبراً أن الحريري لا يُمكن أن يستبدله بوزير آخر، وأن هناك خوفاً لأن الكلام عن حكومة من 24 وزيراً لا يزال قائماً.مع تسريب التسجيل، بدا وكأن الجراح لعِب بآخر عود ثقاب يملكه وأحرق نفسه. صحيح أن التسريب لم يفتعِل ضّجة كبيرة لا في أوساط المستقبليين ولا خارجها، لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحدّ. فقد بدأت حرب الاتهامات بين الجراح والنائب السابق عقاب صقر، إذ يتهم وزير الاتصالات الأخير بأنه وراء التسريب. لكن الرئيس الحريري كما يقول مقرّبون منه أراد «لملمة الخبرية» في الوقت الحالي»، لكن ذلك «لا يعني أنه تجاوزها».
هناك روايتان يردّدهما أصحاب الشأن داخل التيار. الأولى تقول أن «الجرّاح سارع فور عرض التسجيل الصوتي إلى الاتصال بالرئيس الحريري»، مؤكداً له أن «التسجيل مُجتزأ من مكالمة مع صديق سوري. وأن تسريبه مقصود لإحداث بلبلة داخل المستقبل». فيما الرواية الثانية التي يتمّ التداول بها هي أن «الحريري هو من بادر إلى دعوة الجراح والتقى به» (سُجّل لقاء علني بينهما، في منزل الحريري، يوم 5 تشرين الأول الجاري)، وأكد له أن «الموضوع صار ورا ضهرنا». لكن بمعزل عن الرواية الأصدق وتفاصيلها، يعتبر هؤلاء أن «مِن طبع الرئيس الحريري مُحاذرة إصدار ردّ فعل سريع»، ولذلك فضّل «عدم تكبيرها إلى أن يحين أوانها».
يضحَك أحد المستقبليين مُستذكراً ما يقوله الحريري دائماً بأنه «نصف عراقي» (والدته عراقية)، للدلالة على أنه «لا ينام على ضيم، وإن تأخر انتقامه». ما يُراد قوله من هذا الوصف، هو أن رئيس الحكومة وإن كان قد تظاهَر أمام وزير الاتصالات في حكومته بأنه قد تخطّى الأمر، لكنه الواقع هو أن «جمال انتهى بالنسبة إليه، أما ثمن فعلته فسيدفعها في التشكيلة الحكومية الجديدة التي لن يكون له مكانٌ فيها». يستعيد المصدر المستقبلي تصرّف الرئيس الحريري تجاه وزير الداخلية نهاد المشنوق. فقد انتظر الأول لحين الانتهاء من استحقاق الانتخابات النيابية ثمّ أعلن قراره فصل النيابة عن الوزارة لسبب وحيد هو «استبعاد المشنوق عن الداخلية»، علماً أن «الأخير لم يصدر منه في شكل مباشر أي تصرّف مستفزّ تجاه رئيس الحكومة».
أيقن الجرّاح أن الحريري لن يسمَح له بلعب دورٍ مهمّ في التيار لاحقاً، وهو الذي كان يمنّي نفسه حتى اللحظة الأخيرة بالحصول على «الداخلية». وكان دائم التأكيد بأن رئيس تيار المستقبل قد وعده بها خلفاً للمشنوق. غيرَ أنه ومنذ التسريب لم يتوقّف عن تأكيد تحوير التسجيل في محاولة لنفي «تهديده ووعيده». يعلَم وزير الاتصالات بأن التسريب أتى من داخل البيت الأزرق. والمشكل بينه وبين «المسرّبين» يكبُر. ينقل عنه مقرّبون منه أن صوته في التسجيل جزء من «مكالمة هاتفية مع النائب السابق عقاب صقر»، وأن «صقر ومعه (صديقه المقرّب الناشط السوري المعارض) لؤي المقداد هما من سرّبا التسجيل». ويعتبر الجراح أن «صقر يُريد أن يصفي حسابات معه لأنه يحسبه على فريق المدير السابق لمكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري». وبحسب المعلومات فقد كان صقر من أكثر الذين «يهاجمون الجراح ويعتبرون أنه شريك نادر الحريري في ملفات فساد»، وكان «دائم البحث عن وسيلة لضربه وإقناع الحريري بعدم توزيره». وكان صقر يعتبر أن «هذا الأمر لا يُمكن أن يحصل إلا بفضيحة كبيرة تطاول وزير الاتصالات، فتحرج الحريري وتُجبره على التخلي عن الجراح». ويؤكد مطلعون على القضية أن المسرّبين لن يكتفوا بما نُشر، بل إنهم يخبئون تسجيلات أخرى قد تؤدي إلى إلحاق ضرر بالجراح أكبر مما أصابه في التسجيل الأخير.
المُسرّب بالنسبة للتيار «لا يزال مجهولاً»، لكن التسريب قد يكون «أقوى سلاح يستخدمه الحريري في ما بعد أمام جمهوره، في حال قرر استبعاد الجراح» على ما تقول المصادر.