منذ توقيف خليل الصحناوي للاشتباه في كونه العقل المدبّر لأكبر عملية قرصنة شهدتها البلاد، لم تتوقف الضغوط لأجل إطلاق سراحه. لم تُترك وسيلة إلا واستخدمت للتخفيف من أهمية الملف. اشتغلت ماكينة ضخمة من العلاقات السياسية والقضائية والأمنية للضغط على الأجهزة الأمنية والقضائية، بهدف تسخيف الجرائم المنسوبة إلى الصحناوي. فجأة، صار القضاء مكبل اليدين، ومقتنعاً، بحسب ما قالت ممثلة وزارة العدل في اجتماع لجنة الإعلام والاتصالات النيابية الأسبوع الفائت، بأن سرقة ملفات سرية للأمن العام والأمن الداخلي وهيئة أوجيرو ومصارف وشركات، وامتلاك القدرة على التنصت على الهواتف الثابتة و«داتا» إنترنت الهواتف الذكية... ليست سوى جنحة تشبه «استعارة» لحن أغنية من دون إذن مؤلفّه! في المقابل، يؤكد قضاة أن الأفعال المنسوبة إلى الصحناوي وزملائه هي جنايات لا جنح. في ما يأتي، ملخّص رأي هؤلاء القضاة (مع ضرورة التأكيد بأن الصحناوي ورفاقه لا يزالون يتمتعون بقرينة البراءة، ولا يزالون في مرحلة المدعى عليهم، ولم يتحولوا إلى متهمين بعد)اعترف المدعى عليه خليل صحناوي بالاستيلاء على معلومات حسّاسة، من دون أن يعترف بالجهة التي كان يعمل لحسابها. أقرّ بأنّه كان يُشغّل قراصنة إلكترونيين لجمع المعلومات واختراق المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، زاعماً أنّ دافعه «هوى شخصي». احتفظ ببيانات عشرات آلاف المواطنين اللبنانيين ودخل قراصنته إلى داتا أوجيرو وأجهزة أمنية ومواقع رسمية، وتحكّم بمعلومات حسّاسة مع قدرته على التلاعب بمضمونها، وتنصت على اتصالات الهاتف الثابت، لكن لم يجد القضاء سبيلاً لاتهام الرجل بارتكاب جناية. تُقدّم «الأخبار» في ما يلي اجتهادات قضاة وآراء قانونية تُفضي إلى اعتبار أنّ ما يُنسب إلى الصحناوي جناية يعاقَب عليها، في حال ثبوتها أمام المحكمة، بعقوبة تصل إلى السجن المؤبد. وعلى رغم استناد المنادين ببراءة صحناوي إلى المبدأ القائل بأنّه «لا جُرم ولا عقوبة من دون نص»، باعتبار أنّه لا يوجد قانون لجرائم المعلوماتية في لبنان، إلا أنّ القضية الراهنة والتي تُعتبر اعتداءً على الأمن القومي للدولة، تفرض على القاضي الاجتهاد استناداً إلى النص العام. حتى أنّ ارتباط صحناوي وعلاقته بأشخاص إسرائيليين وظهوره في صورة مع مقرصنة إسرائيلية، تعزز الشبهة في شأن ارتكابه جناية التجسس لمصلحة جهات أجنبية.
القضية الراهنة تُعد اعتداءً على الأمن القومي وتفرض على القاضي الاجتهاد


يستعيد أحد القضاة نص المادة ٦٣٨ من قانون العقوبات الذي ينصّ على إنزال عقوبة الأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات على السرقة في إحدى الحالات التالية: «1- إذا وقعت السرقة على أموال أو موجودات مؤسسة حكومية أو أي مركز أو مكتب لإدارة رسمية أو هيئة عامة». والسرقة الواقعة هنا، لا تقتصر على السرقة التقليدية إنما تتعداها إلى السرقة المعلوماتية، لكونها تطاول موجودات مؤسسة حكومية تتمثل بالمعلومات السرية التي جرت قرصنتها. وفعل القرصنة والاختراق بحد ذاته يُعدّ اعتداءً على الإدارات الرسمية التي استُهدِفت. ويضيف القاضي أنّ المادة ٢٨١ من قانون العقوبات تنطبق على حالة الصحناوي في ما يتعلق بجرائم التجسس. إذ إنها تشير إلى أنّ «من دخل أو حاول الدخول إلى مكان محظور بقصد الحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة، عوقب بالحبس سنة على الأقل، وإذا سعى بقصد التجسس، فبالأشغال الشاقة المؤقتة». ويلفت القاضي نفسه إلى أنّ المشرّع ذهب إلى اعتبار ذلك من قبيل الجناية. فقد لحظ في الفقرة الأولى من المادة التي تليها (المادة ٢٨٢) إلى أنه «من سرق أشياء أو وثائق أو معلومات كالتي ذُكرت في المادة السابقة أو استحصل عليها، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة»، أي السجن لحد خمس سنوات. وألحقها في الفقرة الثانية بالإشارة إلى أنّه إذا اقتُرفت هذه الجناية لمنفعة دولة أجنبية كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة.

من سرق معلومات يجب أن تبقى مكتومة عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة


لا تقتصر المواد التي تجرّم ما يُنسب إلى الصحناوي على ما سبق فقط. كذلك تنص المادة 311 من قانون العقوبات على إنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، والتي تشدد بمقتضى المادة 257 عقوبة من أقدم على ارتكاب إحدى الجنايات المنصوص عليها في المادتين 309 و 310، مدنيين كانوا أو عسكريين، إذا أقدم على أعمال تخريب أو تشويه في أبنية مخصصة بمصلحة عامة أو في سبل المخابرات أو المواصلات أو النقل. وهذا ما هو وارد في إفادة الصحناوي والمقرصن الذي كان يعمل لحسابه رامي ص. وقد اعترف الاثنان بالحصول على معلومات ووثائق تصنّف سرّية عبر اختراق عدد من المواقع الرسمية وغير الرسمية، مع ما يستتبع ذلك من تهديد لأمن الدولة القومي. وهذا يؤلف جُرم المادة ٢٨٢ من قانون العقوبات. والتي تنص على أنه من سرق أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة أو استحصل عليها، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة.
أما الأدلة التي تعزّز تحقق الجرائم الآنفة الذكر، فتتدرج من اعتراف المقرصن الإلكتروني رامي ص. بأنّ الصحناوي كلّفه بتنفيذ أعمال القرصنة وما تلاها من تناقض بين أقوالهما، لتصل إلى واقعة تشفير جميع الملفات التي عُثر عليها لدى الصحناوي وإقفالها بكلمات سرّ، ثم تهرّب الأخير من إعطائها للقاضي، مع ما يستتبع ذلك من تعزيز القناعة بخطورة ما تحتويه الأقراص التي عُثر عليها لديه.