غداة سقوط اتفاق معراب، بدأت لقاءات ثنائية بين التيار الوطني الحر والكتائب للوصول إلى أرضية مشتركة بشأن بعض الملفات، وهو ما قد يتطور إلى «تفاهم» بحسب المعلومات. فيما بدأ الكتائب تطبيق خطة عمل جديدة على المستويين الحزبي الداخلي والسياسي العام، نتيجة الخلوات التي عقدها في الفترة السابقة والتي تركز على ضرورة العمل من موقع «مستقل»، وهو ما يعتبره بعض الحزبيين استمرارية للنهج القديم.العلاقة بين التيار الوطني الحر والكتائب لم تكن يوماً على ما يرام. يصدف أن كل أسبوع من الوئام والتوافق السياسي، كانت تقابله أشهر من اللاتوافق واللاودّ على مختلف الصعد في السنوات العشر الأخيرة. وكان واضحاً أن اتفاق معراب بين التيار والقوات اللبنانية ضاعف البرودة السياسية بين الكتائب والعونيين، وأدى هذا التباعد إلى عدم اقتراع نواب الكتائب للعماد ميشال عون في الانتخابات الرئاسية. لكن سقوط «إعلان النوايا» بعد الانتخابات النيابية، والحديث عن نية التيار تمثيل الكتائب في الحكومة فتحا آفاقاً جديدة في هذه العلاقة. فقد علمت «الأخبار» أن غداءً جمع نائب رئيس التيار الوطني الحر للشؤون الإدارية رومل صابر، والنائب إلياس حنكش عبر أحد الأصدقاء المشتركين، حيث جرى البحث في إمكان الوصول إلى «سقف مشترك» بشأن بعض القضايا السياسية الرئيسية وتهدئة لهجة الخطاب بين الفريقين. وأكد صابر لـ«الأخبار» أن «الجلسة دارت حول العموميات، إلا أنه جرى الاتفاق على جلسات أخرى أتمنى أن نخرج منها بنتيجة إيجابية تؤدي إلى تقارب بين الفريقين». هل ستُعتمَد وثيقة تفاهم أُسوة بالتفاهم بين التيار وحزب الله واتفاق معراب؟ «يصعب حسم أي موضوع الآن، لننتظر ونرى». في المقابل، ترى مصادر الكتائب أن اللقاء مع مسؤولين عونيين يدخل ضمن سياسة الحزب العامة بالانفتاح على الجميع، وتشير إلى أن لقاءات أخرى تحصل مع القوات أيضاً، وقد أدت إلى زيارة النائب جورج عقيص لبيت الكتائب يوم أمس. ماذا عن الحديث حول تفاهم خطي مع التيار؟ «لا شيء من هذا القبيل الآن، إذ نتعامل مع الأحزاب السياسية على القطعة، ونطمح بالاستمرار بهذا الخط، نعارض متى يجب، ونتفق على بعض المواضيع حيث يجب أيضاً».
قراءة حزب الكتائب لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية والخسارة التي لحقت بالحزب وقلصت عدد نوابه إلى ثلاثة، كشفت لمسؤوليه وحزبييه نقاط ضعف كثيرة أبرزها مسألة ركوب موجة المجتمع المدني. رسالة الناخبين وصلت إلى بكفيا التي تفهمت خيارهم، ففي النهاية «خاضت الكتائب الانتخابات من دون وزارة ولا حليف». والناخب «يريد خدمات في ظل غياب الدولة، وبالتالي كان مضطراً إلى التقيّد بمن يقدّم له الخدمات، لأن السلطة بين يديه»، يقول مسؤولون كتائبيون. والواقع أن الجميل وحزبه لم يوفرا «محفزات» خلال فترة الانتخابات النيابية، على اعتبار أن القوانين والطعونات التي تقدّم بها والتي تمسّ مباشرة بحياة المواطن اليومية ولقمة عيشه أهمّ من الخدمة الفردية التي لا يفترض أن تكون من واجبات النائب في نظر بعض المسؤولين. والواقع أيضاً أن الأمور لن تكون أسهل في الأيام المقبلة، وخصوصاً أن كل الإشارات تقود إلى عدم دخول الحزب في الحكومة، وبالتالي لا خدمات أيضاً في المدى المنظور... إلا إذا كان التوافق مع العونيين سيفتح وزارات التيار أمام الكتائب، وهو ما يبدو مستبعداً نسبياً مع إصرار الكتائب على لعب دوره «كمستقل» حتى النهاية. كيف تترجمون ذلك؟ «سنتعامل مع كل القوى السياسية بانفتاح، ولكن وفق كل ملف على حدة. إن وجدنا أن ملفاً ما يجعلنا مع التيار في نفس الخندق، فسنمدّ يدنا إليه، فيما قد نختلف على موضوع آخر في اليوم الذي يليه، فنضطر إلى مهاجمته وانتقاد طريقة عمله. وهذا يسري على القوات والمستقبل وحركة أمل. وهذا يعني أيضاً أننا قد نتعاون مع حزب الله - الذي نختلف معه استراتيجياً - في بعض الملفات كمحاربة الفساد».
خلوات الكتائب الحزبية شهدت نقداً ذاتياً لمرحلة الانتخابات وتشريحاً لنقاط الضعف


على المستوى الحزبي، يقول أحد المسؤولين الكتائبيين إن الحزب أجرى نقداً ذاتياً في الفترة السابقة، وبدأ نقلة نوعية، أكان في الكوادر أم طريقة العمل». النتيجة لن تظهر في ليلة وضحاها، بل «تحتاج إلى بعض الوقت حتى نطبق المسار الجديد بطريقة جدية». ما سبق يبرر غياب الجميّل عن الساحة السياسية، بحسب المصدر، وهذه الفترة انتهت وبدأت صفحة جديدة تجلت بالمؤتمر الاقتصادي الواسع الذي نظمه الكتائب الأسبوع الماضي بمشاركة القوات والتيار. ويجري «العمل على عدة ملفات ومشاريع قوانين، بما فيها دراسة عامة لكل القوانين التي يجري تمريرها في المجلس لاتخاذ الموقف اللازم تجاهها. وقد بدا ذلك واضحاً في الجلسة التشريعية الأخيرة». الصورة «المشرقة» يدحضها بعض الحزبيين الذين تواصلت معهم «الأخبار». ففي نظرهم، «لا تغيير يذكر على مستوى رئاسة الأقاليم الحزبية ولا الأقسام ولا طريقة العمل». بل على العكس، «بعض الأقاليم والأقسام لم تجتمع منذ أشهر لأنها لم تحصل على توجيهات من القيادة الحزبية أو المكتب السياسي، وبالتالي نفتقد موقفاً واضحاً نبلغه إلى الحزبيين». كذلك لا تزال القيادة الحزبية متمسكة بسياسة الإنكار عبر «الإصرار على أننا ربحنا في حين أن خسارتنا مدوية، ما يزيد من اليأس». لكن ما الحل الذي تقترحونه أو ما الخطوات التي ترون بوجوب اتباعها للنهوض بالحزب داخلياً وسياسياً؟ «الخطوة الأولى تكون بالاعتراف بالخسارة. الخطوة الثانية بالانفتاح جدياً على من يشبهنا، لأن التجربة تقول إنه لا يمكن أيَّ حزب سياسي العمل منفرداً أو على القطعة، لأن ذلك يضاعف الخسارة ويشكل استمرارية لطريقة العمل القديمة التي برهنت فشلها، ولا سيما أن أيّ فريق لن يساندنا ولن يتقبل الضرب على الحافر وعلى المسمار في آن واحد». الخطوة الثالثة هي «بإيلاء أهمية لمختلف الآراء خلال اجتماعات المكتب السياسي واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، لا وفقاً لعواطف البعض. ثم إيلاء أهمية لحزبيي الأقضية والاجتماع بهم والاستماع إلى مطالبهم وحضور نشاطاتهم حتى تنهض الأقسام وتعود الحياة إليها». ويشير هؤلاء إلأى أن تعيين «نزار ناجاريان أميناً عاماً كان خياراً صائباً وفي مكانه، ولا سيما أن الأخير يعمل بجهد منذ تسلمه المنصب على استقطاب وجوه جديدة وإعادة لحم العلاقة مع «الحردانين» والقدامى»، ويطالبون في هذا السياق بتعيينات إضافية على المستوى نفسه، وذلك أبرز دليل على «أننا لا ننتقد لننتقد، ونظرتنا غير سلبية تجاه كل القرارات، بل نثني على الأمور الإيجابية والقرارات الصائبة».