يقف لبنان في مقدمة الدول المعنية بقرار الولايات المتحدة الأميركية وقف تمويل «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، بالكامل. لا يتعلّق الأمر حصراً بالتزام لبنان بالقضية الفلسطينية والدفاع عنها، بل بسبب وجود لاجئين فلسطينيين في لبنان، وارتباط مستقبل هذا البلد السياسي بالواقع الديمغرافي لهذه الكتلة. انطلاقاً من هنا، سيكون للإجراءات الأميركية انعكاسات مُباشرة على الوضع اللبناني الداخلي، وعلى حالة اللاجئين الموجودين على أرضه، الذين يبلغ عدد المُسجلين منهم في لوائح «الأونروا» (وفق تقرير صادر عن الوكالة في كانون الثاني عام 2017) 463664 لاجئاً.
«الخارجية»: المساهمات في «الأونروا»، واجب على الدول التي وافقت على إنشاء «إسرائيل» على أرض فلسطين(هيثم الموسوي)

الأزمة التي تلوح في الأفق يتحمّل مسؤوليتها من كان أصل «الوباء»: إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعدّو الاسرائيلي. إلا أنّ ذلك لا يعفي الدولة اللبنانية من واجب اتخاذ الإجراءات المناسبة ووضع خطة، تكون مصلحة اللاجئ عمودها الفقري، من أجل مواجهة القرار الأميركي الهادف إلى إلغاء وجود الفلسطينيين كلاجئين، وإسقاط حقّ العودة عنهم، وتوطينهم في البلدان التي لجأوا إليها، كلّ ذلك تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية والانتهاء من تنفيذ ما بات يُعرف بـ«صفقة القرن»، ولو أطلت علينا بمسميات أخرى في المستقبل القريب.
بحسب تقرير «الأونروا» الصادر في كانون الثاني 2017، كان هناك أكثر من 36 ألف تلميذ مُسجلين في العام الدراسي 2016 ـــ 2017، وبلغ مجموع زيارات المرضى السنوية إلى مرافق تدعمها الوكالة أكثر من مليون زائر، وهناك أكثر من 60 ألفاً يستفيدون من برنامج شبكة الأمان الاجتماعي. تستند مصادر دبلوماسية إلى هذه الأرقام للقول إنّ «المشكلة، بعد توقف المساهمة الأميركية ستكون كبيرة». وتُضيف أنّ «الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، محلياً، سترتفع». فالوكالة الأممية تتولّى إدارة وتمويل «العديد من المدارس والمستشفيات. وقف الدعم الأميركي، وعدم مُبادرة دول أخرى إلى تعويض النقص، سيؤديان إلى ارتفاع الطلب على القطاعات الأساسية، ما سيكون له انعكاسات مُباشرة علينا في المجالات كافّة». والأخطر، احتمال «ارتفاع الخطاب المُتطرف تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وتحميلهم تبعات النقص في حاجات مُعينة، كما يحدث تجاه النازحين السوريين، وذلك عوض أن تكون السهام موجهة تجاه أصل المشكلة، أي السياسة الأميركية».
في الإطار نفسه، يتحدّث رئيس «لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني»، الوزير السابق حسن منيمنة، فيقول لـ«الأخبار» إنّ قرار الإدارة الأميركية وقف تمويل «الأونروا» له انعكاسان؛ الأول عامّ، «يتعلّق بالتضييق على الأونروا بهدف إيقافها، وإلغاء حقّ العودة للفلسطينيين، والدفع نحو توطينهم في البلدان حيث يوجدون». أما الثاني، فسيكون على «واقع عيش الفلسطينيين في لبنان». يرى منيمنة أنّه «إذا» دخل المشروع الأميركي حيّز التنفيذ، «فسيرتد ذلك سلباً على التقديمات الاجتماعية التي تؤمنها الأونروا لجمهور فلسطيني واسع سيُحرم من مصدر العيش، ما سيؤدي إلى كوارث. من هنا، تظهر مصلحة لبنان الأولى في الدفاع عن الأونروا».
يُصرّ منيمنة على أنّه «ليس بالضرورة أن ينجح المشروع الأميركي الداعي إلى إلغاء الأونروا، لأنّ هذا القرار يعود إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أنشأت الوكالة. ولغاية الآن، لا تزال أكثرية الدول في الأمم المتحدة داعمة لعمل وكالة الأونروا». استغلال هذا العامل، «مع بعض الجُهد لتأمين مصادر للتمويل من دول مانحة جديدة، وزيادة مساهمات الدول المانحة الصديقة، قد يكون هو البديل».
مصادر دبلوماسية: إذا كانت الدول العربية داعمة فعلاً للقضية الفلسطينية، فستؤمّن التمويل لـ«الأونروا»


تعي المصادر الدبلوماسية اللبنانية أهميّة إطلاق حركة دبلوماسية وسياسية، تجاه الاتحاد الأوروبي والخليج العربي، من أجل إيجاد حلول بديلة. «نُدرك جيداً أنّه لا يُمكن ردع القرارات الأميركية، ولكن بالإمكان وضع خطّة لمواجهتها بالوسائل الدبلوماسية، من خلال طلب الاجتماع بسفراء الدول المعنية، وتحريك البعثات اللبنانية في الخارج لتسليم رسائل إلى حكومات تلك الدول، وطلب زيادة التمويل». إلا أنّ ذلك لن يكون سهلاً، بوجود آلة الضغط الأميركية. فيوم السبت، نشرت القناة الاسرائيلية الثانية خبراً عن أنّ إدارة ترامب أبلغت المسؤولين الاسرائيليين أنّ الولايات المتحدة ستسمح لدول الخليج بضخّ أموال لـ«الأونروا»، لهذا العام فقط. يعني ذلك أنّ الضغوط الأميركية المُمارسة على الدول الخليجية ستُشكّل عقبة أمام عملية البحث عن بدائل للتمويل. تردّ المصادر الدبلوماسية بالقول إنّ «أهمية استمرار عمل الأونروا تكمن في الحفاظ على الهوية السياسية للاجئين الفلسطينيين. إذا كانت الدول العربية فعلاً داعمة للقضية الفلسطينية ولحقّ العودة، فلن يردعها شيء عن تأمين التمويل، الذي نُطالب به من أجل الفلسطينيين ولتأمين عمل وكالة دولية، وليس للخزينة اللبنانية»!
وزارة الخارجية اللبنانية لم تنتظر طويلاً حتّى تتحرّك. عند الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم، يجتمع الوزير جبران باسيل مع سفراء الدول المضيفة والمانحة والمعنية بملفّ «الأونروا». يأتي ذلك بعد أن أصدرت الوزارة بياناً «حاداً» يُظهر إدراكها لخطورة القرار الأميركي وما سيترتب عليه. أكدت الخارجية أنّ «مساهمات الدول في الأونروا ليست منّة أو مكرمة من أحد، بل هي واجب على الدول التي وافقت على إنشاء دولة إسرائيل». وكان باسيل قد صعّد موقفه ضدّ الولايات المتحدة، مُغرّداً: «ماذا تُخبّئ صفقة العصر بعد الاعتراف بالقدس عاصمةً لاسرائيل، وتكريس يهودية الدولة وآخرها وقف تمويل الأونروا لإلغاء حق العودة؟ لجوء، نزوح، دمج، فرز، ترانسفير! دولة أحادية ترفض الآخر وتسعى إلى خلق كيانات أحادية مجاورة! لا، لن نقبل لا بالتوطين ولا بالتقسيم... ولا بصفقة تنهي عصر التنوّع».



الأميركيون في محيط عين الحلوة
يوم الجمعة الفائت، حطّت طوافتان عسكريتان في مدينة رفيق الحريري الرياضية في صيدا. كانت الأولى تنقل وفداً عسكرياً أميركياً، مع مسؤولٍ في السفارة الأميركية في بيروت، أما الثانية فكانت للمؤازرة. بمواكبة أمنية مُشدّدة، انتقل الوفد إلى ثكنة زغيب العسكرية، حيث عقد اجتماعاً مع كبار الضباط في الجيش اللبناني، واستخبارات الجيش في منطقة الجنوب. بعد ذلك، انتقل الوفد الأميركي، برفقة ضباط أميركيين، إلى منطقة سيروب المُطلّة على مخيم عين الحلوة.
ليست هذه المرّة الأولى التي «يزور» فيها وفد عسكري أميركي مُحيط عين الحلوة، بل المرّة الثالثة خلال عامٍ واحد. مصادر فلسطينية ربطت بين الزيارة الأخيرة للوفد الأميركي، والزيارة التي قام بها قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتال، قبل قرابة أربعة أشهر، حين اجتمع أيضاً في ثكنة زغيب مع كبار الضباط في الجيش، و«حقّق» معهم وقتها في أوضاع المُخيم، والأحياء التي يتمركز فيها المطلوبون، وأعدادهم، والإجراءات المُتبعة من قبل القوى الأمنية على مداخل المُخيم.
تربط مصادر صيداوية بين الزيارات الأميركية ومُخطط واشنطن تجاه القضية الفلسطينية، وإلغاء وكالة «الأونروا»، وتُعيد إلى الأذهان «المُخطط القديم بجرف هذا المُخيّم، بالتزامن مع التوطين وإلغاء حقّ العودة».
(الأخبار)