«سنداً لأحكام المادة 589 وحفظاً للحقوق ومنعاً للضرر»، قرر قاضي العجلة في المتن رالف كركبي، في السابع من آب الحالي، «منع كل من جريدة الأخبار وشركة المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشيونال والموقعين التابعين لهما من التداول باسم المستدعية (مستشارة وزير الصحة) والتعرض لشخصها وكرامتها عبر كافة الوسائل الإعلامية المرئية أو المكتوبة العائدة لهما، كما وقنوات التواصل الاجتماعي تحت طائلة فرض غرامة إكراهية قدرها عشرة ملايين ليرة لبنانية عن كل مخالفة لهذا القرار».قبل ذلك، أي في الثاني من آب، صدر قرار عن القاضية المناوبة ستيفاني صليبا بإعطاء، «الأخبار» مهلة يوم واحد فقط لإبداء الملاحظات على الاستدعاء المقدم من الممنوع ذكر اسمها، الذي تطلب فيه منع التداول باسمها. تقصير المهلة من يومين إلى يوم واحد جاء بطلب من المستدعية أيضاً، وكان يفترض الرد على الاستدعاء الذي تسلمته «الأخبار» يوم الجمعة في الثالث من آب.
في السابع من آب، أي يوم الثلاثاء، صدر قرار كركبي، الذي برره بالإشارة إلى أنه «صحيح أن حرية التعبير وحرية الإعلام مكرسة في مقدمة الدستور، إلا أن هذه الحرية يجب أن تقف عند حدود المسّ بحقوق وكرامة الأفراد، لا سيما في حال ثبت لاحقاً أن المعلومات والاتهامات الموجهة ضد شخص معين تحت ستارة حرية التعبير وحرية الإعلام هي غير صحيحة لأنه في هذه الحالة تتحول هذه الحرية إلى تعدّ ينجم عنه ضرر لا يمكن التعويض عنه».
وبناءً عليه، صارت «الأخبار» ملزمة منذ السابع من آب، بعدم التداول باسم المستدعية، على افتراض (لا يمكن التنبؤ بإمكانية حصوله) أن ذلك «قد يشوه صورتها ويمسّ بكرامتها في حال تبيّن لاحقاً أن الأخبار التي تنشرها الجهة المستدعى ضدها بهذا الموضوع غير صحيحة».
بالرغم من إصرار «الأخبار» على أن ما كُتب لم يكن مسيئاً، إلا أنها تلتزم تنفيذ القرار، مع تأكيدها لخطورته. فهي ترى أنه يشكل تعرضاً واضحاً لحرية التعبير، بحجة أن هذه الحرية «يمكن أن تكون ستارة لتعدٍّ ينجم عنه ضرر لا يمكن تعويضه». وهي لذلك تقدمت بطعن يخلص إلى أنّ من الثابت أن القرار لم يشر إلى توافر أي إثبات لوجود خطر نشر معلومات مسيئة بحق المعترضة الممنوع ذكر اسمها، بل جلّ ما استند إليه القرار هو التداول باسمها عَرَضاً في مقالين منشورين في الجريدة وأن من شأن التداول باسمها مستقبلاً أن يشكل تعدياً عليها.
وعليه، يكون القرار قد جاء بمثابة محاكمة للنيات، من دون أن ينهض أي دليل على وجود خطر وشيك أو استهداف للممنوع ذكر اسمها من أي نوع كان. وهو قرار يؤدي في حال تعميمه إلى السماح لكل قيّم على خدمة عامة بأن يطلب منع التداول باسمه أو نشر أي أخبار عنه بمجرد نشر خبر سابق عنه من دون أن يطلب منه تقديم أي دليل على استهداف شخصي له، ما يؤدي إلى كمّ الأفواه بشكل كامل.
وأشارت الأخبار إلى أنّ «من الثابت أن الاستدعاء رمى إلى تقييد حرية التعبير، وهي حرية مصونة دستوريا وفي المواثيق الدولية التي أحال الدستور إليها في مقدمته، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ منه. وعليه، وبالنظر إلى أهمية القيد الحاصل على حرية دستورية، فإن القرار المعترض عليه يكون باطلاً لصدوره رجائياً من دون تمكين الوسائل الإعلامية من الدفاع عن حريتها هذه، ولا يعد إعطاؤها 24 ساعة لإبداء ملاحظاتها كافياً في هذا المجال، إذ إن إبداء الملاحظات لا يمكن الشخص المعني من ممارسة حقوق الدفاع الممنوحة لفريق معين، وفي مقدمتها حقه بالترافع».
يركز الطعن المقدم من وكيل «الأخبار» المحامي نزار صاغية أيضاً على أن قاضي الأمور المستعجلة اتخذ تدبيراً إرضاءً لمصلحة غير محمية قانوناً، بخلاف المادة 589 التي تجيز لقضاء العجلة اتخاذ تدابير حمائية لحق مشروع معين. ففي هذه الحالة، يكون قاضي الأمور المستعجلة قد استخدم صلاحيته الواسعة خدمة لنزوات ورغبات ومصالح فردية وخارج أي سند قانوني وخلافاً لقواعد اختصاصه. وأكثر من ذلك، إن التدبير الحمائي لم يؤدّ فقط إلى منح حماية القضاء لمصلحة غير محمية قانوناً، بل أسوأ من ذلك إلى منح حماية القضاء لمصلحة غير مشروعة، بما يتنافى مع المصلحة العامة.
ولأن النظام الديمقراطي يقوم على تكريس الحرية الإعلامية وبشكل خاص حرية انتقاد القيِّمين على المصلحة العامة، على أساس أن من شأن إخضاع هؤلاء للنقد أن يحسّن أداءهم ويحمي المجتمع، ولو بدرجة معينة ضد إساءة الإدارة أو الفساد، فيكون القرار الذي ألزم «الأخبار» بعدم التداول باسم مستشارة وزير الصحة بشكل شامل، ومن دون ربط هذا القرار بوجود إساءة غير مبررة أو سوء نية، قد منح تدبيراً حمائياً لمصلحة غير مشروعة قوامها تحصين المعترض ضدها ضد أي نقد من أي نوع كان، مهما كان موضوعياً.