وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(سورة الأنفال، 60)

كل سنة، في مثل هذا اليوم، نبدو كأننا نحتفل بالنصر للمرّة الأولى. كل سنة يستعيد اللبنانيون والعرب، مجدداً، وبالدهشة نفسها، هول الإنجاز التاريخي الذي حققته المقاومة الإسلاميّة في لبنان خلال عدوان تموز 2006، وقد تُوّج يوم 14 آب بالهزيمة الفاحشة التي مُني بها العدو الإسرائيلي للمرّة الأولى منذ نكبة فلسطين. نصر فريد من نوعه، بعد تاريخ مثقل بالهزائم، يبدو لكثيرين حدثاً «سحريّاً» وهو ليس كذلك. يبدو حدثاً خارقاً، وقد بات كذلك فعلاً، بعدما اشتغلت الثقافة الرسميّة المهيمنة في العالم العربي والإسلامي، على تدجين «الجماهير» الخاضعة، على مرّ العقود، وزرعت فيها فكرة العجز، والدونيّة، والهزيمة المحتومة… وعلّمتنا أن «الخلاص» و«الحضارة» و«الديمقراطيّة» و«الرخاء» ليس لها إلا مصدر حصري، هو قاتلنا وسارق ثرواتنا ومغتصب شرعيتنا وحقوقنا.
أن تكون السماء مع المظلومين ضد الظلم، فهذا أمر طبيعي… لكن هؤلاء المظلومين، أهل الأرض، وأهل الحق، هم الذين حفروا بأظفارهم في الصخر، بعد تحرير عام ألفين، ليبنوا قواعدهم الصاروخيّة. هؤلاء اعدّوا للعدو الغاشم «ما استطاعوا من قوّة»، واشتغلوا بصبر وأناة سنوات طويلة، قاسية، استعداداً لهذه المواجهة التي ستغيّر وجه التاريخ. عماد مغنيّة ورفاقه قدّموا التضحيات، ككل الفدائيين والمجاهدين عبر تاريخ البشريّة، ودفعوا عنّا جميعاً، الأثمان الباهظة بالأرواح والدماء. نعم، ساعدْ نفسك تساعدْك السماء! نحتفل اليوم بعيد انتصار العزيمة والإرادة، والعدالة والحق، وتجاوز الوعي المهزوم. إنّه يوم سقوط الأوهام، وتحطّم الأساطير المزيّفة. أسطورة «تفوّق إسرائيل»، لم تكن لتتمكّن من الوعي العربي، لولا عجز الأنظمة العربية المستبدّة الفاسدة، وتخاذلها، وعنتريّاتها الكاذبة ضد إسرائيل في العلن، وخياناتها وتآمرها في الخفاء. حين جاءت حركة تحرر شعبيّة بكل معنى الكلمة، ومقاومة حقيقيّة، لتقف في مواجهة «إسرائيل»، سقطت الأقنعة، وتحطّمت الأسطورة كقصر من الرمل. حدث ذلك، أمام أعين الملايين، مباشرة على الشاشة.
هذا هو درس تمّوز الأغلى والأخطر الذي علينا أن نحفظه إلى يوم الدين. وتلك هي الزاوية التي ينبغي أن نقرأ من خلالها كل ما حدث في المنطقة، منذ تلك اللحظة الخالدة. كل قوى الأرض تشتغل، بكل الوسائل، السلمية والعسكرية، الإعلاميّة والإيديولوجيّة والاقتصاديّة، على قلب المعادلة، وأبلسة المقاومة، ومحاصرتها، وتجفيف منابعها، وإغراقها في الرمال المتحركة للفتن والحروب الأهليّة. والرد الوحيد الممكن، هو أن نلتفَّ نحن اللبنانيين والعرب، جميعنا، بمختلف انتماءاتنا وقناعاتنا السياسيّة، حول المقاومة، لحمايتها وتحصينها. لا وسيلة أخرى لاستعادة الحقوق والكرامة، وبناء المستقبل، وتحقيق العدالة والتقدّم، إلا الكفاح المسلّح ومواجهة المشروع الاستعماري الذي يخبّئ اليوم وجهه القميء خلف أقنعة التحضّر والحريّة والانفتاح، ويحاول تضليل الشباب عبر جمعيّاته السخيّة، ومنظماته النبيلة، بشعارات العدالة والسلام، بهدف كيِّ وعي نخبنا، وسلبنا آخر مقومات الوجود. إن كل ما قدّمته لنا الديمقراطيات الاستعماريّة، هو الطاعون التكفيري، ومزيد من الاستيطان والمجازر في فلسطين المحتلّة التي توّجت بمحاولة سرقة القدس، وقانون الأبارتهايد اليهودي.
من نافل القول إن ما شهدناه خلال السنوات الاثنتي عشرة التي تفصلنا عن تلك اللحظة المجيدة، ليس إلا محاولات يائسة، كلفت شعوبنا موتاً وتمزقاً وخراباً، للانقلاب على نصر تمّوز، وسرقته، وتزويره، وقلب المعادلة مجدداً لمصلحة «إسرائيل». من «الربيع العربي» المجهض الذي استحال كوابيس وردّات وحروباً أهليّة، ودمّر مجتمعاتنا ومزق شعوبنا ومكّن قوى الهيمنة، وجعل «إسرائيل» وجهة نظر ممكنة، للمرّة الأولى بهذه الصفاقة… إلى الحرب الهمجيّة على اليمن التي ترعاها معاقل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان في الغرب الاستعماري… مروراً بالتراجيديا السورية التي تقترب من فصلها الأخير. اليوم لم يعد التآمر في الخفاء، والاختراقات والخيانات مستترة، كما كان في تموز 2006، بل تحوّلت الخيانة والاستسلام للعدو الإسرائيلي مطلباً «قوميّاً» و«عروبيّاً» و«وطنيّاً». وبات الحصار الذي يحاول أن يضربه مجنون البيت الأبيض وإدارته المتهاوية، وعبيده الأذلاء من الرجعيّات الانحطاطيّة العربيّة، هو رسالة سامية لـ «مكافحة الارهاب»… فيما رسل السلام الصهاينة يقتلون الأطفال الفلسطينيين في غزّة، وفرسان العروبة يقتلون الأطفال اليمنيين في صعدة. هؤلاء كلّهم يحاولون أن يمحوا نتائج انتصار تموز التي حوّلت العدو الصهيوني إلى وحش مكسور وبائس يرتجف في الظلام. وضد هؤلاء جميعاً في حربهم الشاملة، تقف المقاومة اليوم، لتتواصل إنجازات 14 آب 2006، وتنتصر من سوريا إلى اليمن، وحدها، مع الشعوب العربيّة الشريفة، في مواجهة العالم… تسقط «صفقة العار» التي يريد توقيعها حكام الردّة في مقابل شرعية أميركية للاستئثار بمقدرات الشعوب وأرواح العباد.
كل سنة، في مثل هذا اليوم، نبدو كأننا نحتفل بالنصر للمرّة الأولى. لكن الظروف السياسية تعطي لنصر تموز في 2018، أبعاده الواضحة، فيما تحاول مملكة الانحطاط ـــ تحت غطاء «النأي بالنفس» اللبناني ـــ الانقلاب على نتائج الانتخابات الديمقراطية، وعملاؤها هم المعزولون لا المقاومة! إن هامات أبطال تموز من حولنا تنشد: فليخرس الكذَبة وشهود الزور. وليخرس الإعلام الوضيع الذي سقاه القزم السعودي قهوة مطيّبة ببول البعير. ولتخرس الانعزالية المسيحيّة التي تبيع صكوك الحج. وليخرس «ناشطو» «حقوق الإنسان» الذين لا يعرفون أطفال اليمن وسوريا وفلسطين. ليس صحيحاً أن هذا النصر الذي نحتفل به هو ملك فئة أو جماعة مذهبية: إنه لكل العرب ولكل الشرفاء في الأرض، وامتداد لانتصارات حركات التحرر في العالم. حزب الله رافع راية الأمل للبنان والعرب، نتوقّع منه أن يدعّم انتصاراته الكبرى بالانخراط، على الجبهة الداخليّة، في معركة العدالة والإصلاح والمواطنة. أيّها الشهداء الأبرار، مجد لبنان والعروبة أعطي لكم.