سياسة النأي بالنفس، قررت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن تفصّلها على قياس سفارات فريق سياسي داخلي ومصالحه. اللافت للانتباه أن مديرة «الوكالة الوطنية للإعلام» اعتبرت نفسها ملزَمة بتطبيق سياسة وزير الإعلام ملحم رياشي، هنا يصبح السؤال موجَّهاً إلى الأخير: ماذا إذا رأت القوات أن أميركا دولة صديقة، هل يحق لأحد انتقادها؟ وهل ما يسري على السعودية والإمارات يسري على سوريا وإيران وعلى رموز لبنان من رئاسة الجمهورية إلى كل المواقع الرسمية والروحية والسياسية؟«وختم الموسوي مستنكراً المجازر في حق شعوبنا العربية، ومنها المجزرة ضد أطفال اليمن».
بهذه العبارة قررت «الوكالة الوطنية للإعلام» اختزال موقف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي، خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله، السبت الماضي، في الذكرى السنوية لشهداء الوعد الصادق في محلّة المساكن في صور.
وعندما راجع المعنيون في حزب الله إدارة «الوكالة الوطنية للإعلام» عن سبب الحذف، كان الجواب أن ذلك حصل بطريق الخطأ ولم يكن متعمداً. انتظر حزب الله تصحيح الخطأ المادي بنشر موقف الحزب كاملاً، غداة الجريمة السعودية التي ارتُكبت بحق أطفال اليمن. غير أن التصحيح لم يحصل. تكرر الأمر بعد 48 ساعة. الوكالة تحذف فقرة من خطاب للموسوي في طير دبّا يدين فيه المجزرة السعودية بحق أطفال اليمن. ثمة تقدير في حزب الله، أن «الوكالة الوطنية للإعلام»، بقرار إما من وزارة الإعلام أو من رئاسة الوزراء، تعتمد نهجاً جديداً، لا أحد يعرف من رسمه لها. فكل كلام يطاول السعودية يجب أن يُحذف، من أية جهة أتى. أما أن تشتم رئيس جمهورية بلدك، أو أي مكون من مكوناته الرئيسية، فهذا يندرج في خانة حرية الإعلام التي يصونها الدستور.
ما هكذا يا حضرة مديرة «الوكالة الوطنية للإعلام» لور سليمان تدار وكالة عامة لكل لبناني الحق في أن يجد نفسه فيها، باعتباره من دافعي الضرائب، وهي عبارة عن مرفق عام، وليست مرفقاً سعودياً يديره القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري، وفيها ما يشتهيه فقط. أما ما يكشف حقيقة مواقف بلاده وسفارته، فالويل والثبور وعظائم الأمور، كما هدد «الأخبار» أمس بإحالتها على القضاء، محرِّضاً على معاقبتها لأنها تجرأت على تسليط الضوء على قضية حجب تأشيرات موسم الحج عن الرئيس سعد الحريري ودار الفتوى وقيادات أخرى هذه السنة.
في السياق، نفسه، وجه الموسوي سؤالاً إلى وزير الإعلام ملحم الرياشي، بصفته «وصياً» على الوكالة، تضمن الآتي: «وفق أي قانون تقوم «الوكالة الوطنية للإعلام» بالاعتداء على تصريحات النواب، وتحذف من التصريحات ما لا يعجبها؟ ما هو القانون الذي استندت إليه الوكالة لتقوم بهذا الفعل؟ ولا سيما أن هناك كتلة (المستقبل) تحدثت عن كندا، ولدينا عشرات آلاف اللبنانيين المقيمين في كندا، بينما إذا تحدث أحد وأدان المجازر السعودية في اليمن، تقوم رئيسة «الوكالة الوطنية للإعلام» بحذف الكلام الذي يطاول السعودية، فهذا بأي حق؟ وهل أصبحت «الوكالة الوطنية للإعلام» يا وزير الإعلام هي وكالة الأنباء السعودية؟ وهل هناك وصاية على تصريحات النواب؟ مع العلم أن النائب وحده في لبنان دون غيره من الناس ليس هناك قيد على تصريحاته، ويستطيع القانون أن يلاحق أي شخص لموقف ما عدا النائب الذي يستطيع أن يتحدث بما يريد، ولكن على ما يبدو، إن السعودية مسيطرة على «الوكالة الوطنية للإعلام»، وبالتالي أي كلام يمسّ السعودية، تقوم الوكالة بحذفه».
سارعت «الوكالة الوطنية للإعلام» للردّ على الموسوي، موضحة، أنها تتبع لوزارة الإعلام، وأنها تعمل بمقتضى توجيهات وزير الإعلام ملحم الرياشي، الملتزم سياسة النأي بالنفس، التي أقرتها الحكومة في بيانها الوزاري، ما يجعلها «تمتنع عن نشر أو نقل أي إساءة موجهة إلى أي دولة شقيقة أو صديقة من أي طرف كان، وضد أي طرف كان، وهي تستثني التعابير التي تتضمن قدحاً وذمّاً وعبارات نابية، سواء أكانت موجهة إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، أم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة، وذلك حتى تبقى الوكالة صرحاً للحرية المسؤولة، ومنبراً للجميع، ومطابقة تماماً لسياسة الحكومة اللبنانية».
وكالة النائب مطلقة، وبالتالي لا سياسة الحكومة ولا أي قانون يسمو فوق الدستور


من جهته، ردّ الموسوي على ردّ «الوكالة الوطنية»، فقال لـ«الأخبار»: أولاً، في الشكل، كان كلامي موجهاً إلى وزير الإعلام، بصفته وصياً على الوكالة الوطنية، وبالتالي لست معنياً بأي رد لا يصدر عنه. ثانياً، لا يحق للوكالة أن تلزم النواب بسياسة الحكومة، وهذا مخالف لمفهوم النيابة، التي تكون بعيدة عن السلطة التنفيذية، والتي يحق للنائب معارضتها بالكامل، وأكثر من ذلك هذا مخالف للدستور، إذ إن وكالة النائب مطلقة، وبالتالي لا سياسة الحكومة ولا أي قانون يسمو فوق الدستور الذي يمنح النائب الحرية في التعبير عن رأيه. ثالثاً، للمفارقة، كنا في السابق نقول موقفنا وينشر في الوكالة، فما الذي تغير؟ أما الإشارة إلى أن الكلام لا ينشر لأنه يتضمن كلاماً نابياً، فما هي هذه الكلمات؟ هل «الإجرام السعودي» أو «الوحشية السعودية» كلام نابٍ؟ لماذا إذاً تنشر الوكالة كلامنا عن الاجرام أو الوحشية الإسرئيلية؟ هذا وصف للحقائق الجرمية وليس كلاماً نابياً، وبالتالي ليس من حق أحد أن يصبح رقيباً على كلمات النائب، وأي قيد أو سعي إلى تقييد حرية النائب هو انقلاب على حرية التعبير والدستور والأعراف والقوانين. وبالتالي، عندما يكون هنالك تصدٍّ للقمع على الحريات، فالأولى أن يبدأ بالتصدي لمحاولة منع النائب من التعبير عن رأيه. ثم فإن المجلس النيابي، بوكالته عن الشعب اللبناني، هو الذي يقرر دفع نفقات وتكاليف الوكالة الوطنية. وهذه الوكالة مسؤولة أمامنا لأننا نحن أرباب عملها وليس أي طرف آخر، إلا إذا صار اسمها وكالة الأنباء السعودية».