اليوم الخامس والعشرون للعدوان الإسرائيلي على لبنان (5 آب 2006)، «كان يوم القصف الأعنف منذ بدء الحرب في 12 تموز». في هذا اليوم، كانت المواجهات مستمرة في عيتا الشعب، وكان الاحتلال يدفع بقواته عبر مشروع الطيبة، للوصول إلى وادي الحجير، لكن المقاومة كانت له بالمرصاد. جرت محاولة إنزال فاشلة عند شاطئ شبريحا في صور، تصدى لها المقاومون والجيش اللبناني. في السياسة، لقاء بين الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة في عين التينة، يوم الجمعة في الرابع من آب، وفي اليوم التالي، أوفد بري معاونه السياسي علي حسن خليل إلى السراي الحكومي. اطّلع الأخير من رئيس الحكومة على حصيلة مفاوضاته مع الدبلوماسي الأميركي ديفيد ولش، قبيل وضع مشروع أميركي فرنسي مشترك في مجلس الأمن. استفاد بري من الأجواء التي نقلها خليل من أجل صياغة موقف استباقي قبيل استقباله ولش في اليوم التالي. بالتزامن، انعقد مجلس الوزراء في مقرّه الخاص في المتحف برئاسة رئيس الجمهورية إميل لحود، وناقش في الجزء الأول من الجلسة قضية النازحين والمساعدات بحضور الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد، وبعد ذلك، انتقل إلى النقاش السياسي، كما جرت العادة. وفاجأ رئيس الحكومة الحاضرين بمشروع فرنسي يعيد مزارع شبعا للبنان من ضمن بنود أخرى مفخخة. في اللقاء بين بري وولش، قدّم الأخير مشروعاً لحل على مرحلتين: أولاً، وقف العمليات العسكرية وبقاء الوضع على حاله (بقاء الاحتلال)، ثانياً، حل سياسي وفق بنود المشروع الفرنسي الأميركي في مجلس الأمن، من بعده يصدر وقف نهائي لإطلاق النار. قاطع بري ضيفه وسأله وماذا عن الأسرى، فأجاب ولش «ينبغي تسليمهما لإسرائيل»، وماذا عن مزارع شبعا (سأله بري أيضاً)، فأجاب الدبلوماسي الأميركي بأن إسرائيل ليست في نية القيام بأي خطوة تفسّر كأن حزب الله قد سجل انتصاراً في الحرب... هنا عيّنة من نقاشات تلك الجلسة:محمد فنيش: أود إثارة موضوع النازحين والسلاح. فهمت أن هناك تخوّفاً لدى البعض من أن يترافق تدفق النازحين من الجنوب والضاحية مع سلاح ومسلحين. إن كانت النية حسنة، أفهم هذا التخوف، ولكن يبدو أن الموضوع أبعد من ذلك عند البعض. معظم النازحين يأتون من بيئة مسيّسة، ولا يتحركون بانفعال أو غرائزياً. الأمر الثاني، أؤكد لكم أنه بنسبة 90% من الشباب هم في الجبهات وليسوا نازحين. النازحون معظمهم أطفال ونساء وكبار السن، أما الشباب الذين يحملون السلاح ويقاتلون فموجودون لكن في قراهم، وهم لم يغادروها أبداً، ومن يقاتل في عيتا الشعب وبنت جبيل ومارون وعيترون رغم قصف الطائرات هم شباب هذه القرى. لو كان هناك إمكانية الحد الأدنى من الأمان، والقليل من الانسانية من العدو بأن يحصر القتال فقط مع المقاومين، لكان الأهالي بقوا في قراهم، لكن الظروف الأمنية اضطرت هؤلاء إلى النزوح بعد مجازر ارتكبها العدو. لهذا السبب، حذار أن يراهن أحد على مشروع معيّن وأن يخلق فتنة داخلية في لبنان. وأود أن أؤكد أن السلاح وتوزيع السلاح يحصلان بقرار سياسي. أن يظهر سلاح مع مواطن هرّبه معه، فهذا لا يخيف، السلاح عادة يصبح مخيفاً عندما يكون وراءه مشروع سياسي وقرار سياسي. القرار السياسي والجهات السياسية المعنية بهؤلاء النازحين حاسمون بأن السلاح في لبنان لا يوجه الا نحو العدو الإسرائيلي. لنطمئن من هذه الناحية، واعتقد أن 25 يوماً، إذا كان لدى أحد مخاوف، كافية لتبديد هذه المخاوف، والمسلكية التي يتمتع بها هؤلاء الناس أيضاً كافية لتطمئن الجميع.
خالد قباني: عمّمت على المديرين أن يكونوا موجودين في المدارس التي تحتضن النازحين. أكثر من ذلك، وبناءً على طلب دولة الرئيس، نظّمنا مناوبات في المدارس حتى نستطيع تأمين دوام كامل ووجود كامل لكل المعلمين والاساتذة في هذه المدارس لكي يشرفوا على كل أمور النازحين. أنا شخصياً أحضر إلى المدارس وأقوم بجولات تفقدية دائمة تظهر في الإعلام، وأتواصل مع المهجرين والنازحين. وأستطيع القول إن الوضع مأساوي.
فنيش: الذي يسمع أن هناك طائرات محمّلة بالمساعدات وصلت وفيها أطنان، يعتقد أن البلد يعوم بالمساعدات.
فؤاد السنيورة: لم يعُم ابداً.
فنيش: قلت يعتقد، وبالتالي نحن قلنا منذ البداية بضرورة أن نرسل مسبقاً للدول التي تودّ مساعدتنا أن هذه لائحة مساعداتنا. المسألة الثانية، معظم النازحين غير موجودين في الاماكن العامة. معظم النازحين استضافتهم عائلات لفترة محدودة. لا يمكن أن نزيد أعباء الآخرين. يفترض تكليف القائمقامين والبلديات بإحصاءات. الآلية المتبعة إذا معتمدة أو لا، لا أريد أن أدخل في التفاصيل.
سهيل بوجي: دولة الرئيس يدعو الهيئة العليا للإغاثة وتضع آلية محددة.
فنيش: الأمر الثالث. إلى جانب الهيئة العليا للإغاثة، هناك جمعيات أهلية تقوم بدورها في مختلف المناطق. رابعاً، الإدارات مثلاً إذا اشترت مولداً للمياه، هل تحضر فاتورة إلى الهيئة العليا للإغاثة؟
السنيورة: لنكن جميعاً على معرفة. عنق الزجاجة هو توافر المواد، وعنق الزجاجة الثاني هو الطريق، وهذان الأمران اللذان يشكلان المشكلة الأساسية التي تحدّ من امكانية قدرتنا على تلبية الحاجات، علماً بأننا كلنا نعرف أن الحاجات متصاعدة يومياً نتيجة استمرار النزوح. على الرغم من ذلك، القرار اتخذناه منذ أكثر من أسبوع، بأنه يجب أن يشمل العون جميع الناس في المنازل، ولا يقتصر فقط على قسم من الناس. وهناك مشكلة المسارات التي نلجأ اليها، ويوماً تكون مفتوحة ويوماً مقفلة. الطريق الثاني هو عن طريق الطائرات. طائرتان أو ثلاث طائرات في اليوم، نصفها أو ثلاثة أرباعها أدوية والباقي أغذية. الطريق البرية تحتاج إلى إذن من الامم المتحدة وتفتيش على الطريق. خلال الايام المقبلة تزداد كمية المساعدات، هذا الأمر طبيعي، علينا أن نطوّل بالنا قليلاً، بدون شك إننا نمر في ظرف أين منه الحروب التي مررنا فيها، وأنا أكثر واحد بينكم شاركت على مدى هذه السنوات. منذ عام 1982 علقت بمسألة الاغاثة والمساعدات، وأعلم أن هذه المرة الأمور مختلفة كلياً عن كل المرات الماضية. أهم شيء الطريق. لا نريد أن نبيع الناس كلاماً، أريد بضاعة لأسلمها للناس. هذا هو الامر الذي نعيشه الآن مع الناس. هل لديك طلب إضافي على هذا الامر؟ (متوجهاً إلى رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد).
بوجي: موافق (يقصد اللواء رعد).
السنيورة: نريد أن تتم العملية عبر أجهزة الدولة. ما معنى أجهزة الدولة؟ معناه كل الجمعيات الاهلية التي نعمل معها، ولكن تحت اسم الهيئة العليا للاغاثة. الهيئة العليا للإغاثة ليست ملكاً لأبي، الهيئة ملك كل اللبنانيين، وهي ملك للدولة اللبنانية. ليس لدي أي كلام آخر، منذ أول مرة كان هذا الشرط الأساس.
(عندها، خرج اللواء رعد من الجلسة)
محمد جواد خليفة: الشهداء أصبحوا 850 شهيداً موثقين. الجرحى الذين دخلوا المستشفيات صاروا 3800 تقريباً، قسم كبير منهم خرج من المستشفيات وقسم موجود. استطعنا أن نلتقط أنفاسنا وصحّحنا الوضع في المستشفيات، لا مشكلة الآن، المشكلة الوحيدة هي في الفيول، المولدات. كل مستشفى بأحوال جيدة كان يضع مولدين، أما الآن فهم يشغّلون واحداً ويطفئون الآخر، والفيول لا يكفي. هناك مستشفيات من الآن حتى أسبوع سوف تقفل بسبب الطاقة التي لا تصل اليها.
جهاد أزعور: الفيول أو المازوت؟
خليفة: المازوت.
فنيش: المازوت تم تأمينه ولا مشكلة، وكل مستشفى عنده مشكلة مازوت، يجب أن يتواصل.
خليفة: مع من يجب أن يتواصلوا؟ أمس اتصلت بوزارة الطاقة ولم أجد أحداً يتكلم معي، ومن ثم أطلقت نداءً على .N.T.V ولم يردّ عليّ أحد. الموضوع الثاني، اللواء رعد يقوم بمجهوده، ولكن عندما تكون هناك كارثة، تمرّ الطائرات وترمي الإعانات ولا أحد يسجّل على الورقة والقلم. دولة الرئيس قالها، المستضيف في منزله منكوب والضيف لديه، وثلاثة أرباع الناس ليسوا موجودين في المدارس. الناس كلها تحتاج إلى مساعدات؛ سائق التاكسي هل يعمل هذه الايام ليستطيع استضافة أحد ما في منزله.
ثم انتقل مجلس الوزراء إلى النقاش السياسي.
فنيش: إذا وافقنا على ما يطلبونه منا الآن، فبعد قليل سيطلبون منا أن ننزع ثيابنا ويوقفونا إلى الحائط


شارل رزق: ما الفرق بين وقف نار، ووقف نار من دون شروط سياسية؟
فنيش: أعتقد أنه بعد مجزرة قانا، إذا كان مجلس الأمن يريد أن يتخذ قراراً من دون أن يأخذ رأي الحكومة اللبنانية فليتخذ القرار، أما إذا مجلس الأمن يريد رأي الحكومة اللبنانية فعلينا أن نقول إن هذا رأينا، أنه ما زال في إطار النقاط السبع، مع الملاحظات التي قلناها في الجلسات السابقة حول عدد من التفاصيل والآليات.
السنيورة: ما يحكى أمامنا من منطلق البنود السبعة (مؤتمر روما). يدخل الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني في الوقت ذاته الذي ينسحب فيه الجيش الإسرائيلي من الاراضي التي احتلها بعد 12 تموز، وينسحب الجيش الإسرائيلي من مزارع شبعا، وتدخل مع الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني قوات اليونيفيل، في هذه المرحلة يصبح أي سلاح خارج سلاح الجيش اللبناني هو سلاح...
فنيش: بعد الانسحاب من مزارع شبعا؟
السنيورة: في ذات الوقت، أنا أعطيتهم النص، أنه، في ذات الوقت، ينسحبون من مزارع شبعا ومن الجنوب ويدخل الجيش اللبناني. كيف يفعلون ذلك على الأرض؟ أنا لست عسكرياً ولا أتدخل في هذه الامور، ولكن أنا موقفي هو الانسحاب المتزامن من الجنوب ومن مزارع شبعا ودخول الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني مع الامم المتحدة، ويصبح آنذاك كل سلاح هو....
فنيش: تدخل القوات الموجودة الآن.
السنيورة: كلهم 199 عنصراً.
فنيش: نتكلم عن قوات ستتشكّل؟
السنيورة: معنى ذلك إحضار 2000 عسكري تحت ذات الـmandate.
بوجي: توسيع اليونيفيل.
فنيش: نقطة فقط. موضوع السلاح ليس "خبط لزق". نحن موقفنا واضح، تعلم دولة الرئيس. إذا لا توجد أراض لبنانية محتلة، موضوع الدفاع عن الجنوب، خصوصاً بعد هذا العدوان، نبحث فيه كلبنانيين، إذا أردت موقفنا، هذا قلناه. على كل حال، هل الموقف الذي قلته قبل به الأميركيون والإسرائيليون؟
السنيورة: أريد أن أصلي ركعتين الآن ليقبلوا. إن قبلوا، فذلك يكون انجازاً مهماً جداً.
أحمد فتفت: لديّ سؤال في حال صدر قرار مجلس الأمن بعد ما حكي عن خلاف فرنسي – أميركي وصدر قرار مجلس الأمن ولا يلائم الطروحات التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية، ماذا يحصل في وضعنا الدبلوماسي؟
السنيورة: لا أعلم. نأتي إلى هنا وكل واحد منا يتّخذ قراره.
بيار الجميل: هل المطلوب أن نعطي موافقة مسبقة؟
وزراء: لا.
لحود: أفكار.
السنيورة: عندما جاءت كوندوليزا رايس كانت تتكلم بمشروعها، وهو في كوكب آخر. توصلنا إلى نتيجة بعد عراك طويل، أن يعودوا الى المشروع الفرنسي، وبدأ الاميركيون يشدون نحو طروحاتهم، ونحن نشدهم نحو مزيد من طروحاتنا. الآن أصبح هناك تقدم، وهم محشورون ويريدون أن يسيروا. أصبح هناك تقدم وتوصلوا إلى هذا. نحن بقينا عند النقاط الاساسية التي تقول بالنسبة إلينا it s a deal breaker كما استعملت، أنا لا أمشي إذا لا يوجد الموضوع المتعلق بمزارع شبعا وبالانسحاب، لا يمكننا أن نمشي، لنكن واضحين بما يختص بهذا الموضوع where we stand.
مروان حمادة: أنا مع إعادة التأكيد أننا درسنا هذا ولدينا ملاحظات أساسية عليه، التي هي مبنية على نقاطنا السبع.
فنيش: أولاً أعتقد أن هذا ليس موضوعاً للنقاش. هذا لأخذ العلم، لأنه إذا كان موضوعاً للنقاش فإن عليه الكثير من الملاحظات، على الأقل من قبلنا. إذا كان المطلوب، نحن كحكومة لبنانية، أن نعيد التأكيد على النقاط السبع، أعتقد أننا أكدنا بالصيغة التي أكدنا عليها في مجلس الوزراء سابقاً ولا نقاش فيها. ولكن لدي سؤال: اليوم نحن نطرح موضوع الحل الشامل. جيد. إذا هذا ممكن جيد. افترضوا أن موضوع الحل الشامل ليس متوافراً، وعُرض شيء آخر. مثلاً عرض وقف إطلاق النار ودخول الجيش إلى هذه المنطقة. نقول إننا لا نقبل إلا مع موضوع مزارع شبعا؟ أو نقبل على مرحلتين.
السنيورة: هل تريد أن تتخلى عن مزارع شبعا الآن؟ (متوجهاً لفنيش).
فنيش: أعرفك شاطر، ولكن ليس بهذا القدر عليّ (متوجهاً لدولة الرئيس مازحاً). أقول نحن كحكومة لبنانية مصرّون على أن هذا هو الحل. مشكلتنا الأراضي اللبنانية المحتلة وموضوع الأسرى وخرائط الألغام. افترضنا أن موضوع الأسرى مؤجّل الآن.
السنيورة: اتفقنا عليها أساساً المرة الماضية.
فنيش: وافترضنا أن موضوع مزارع شبعا مؤجّل من عند الإسرائيلي وليس من عندنا، وطرح موضوع وقف إطلاق نار أو وقف عدوان ودخول جيش إلى هذه المنطقة، ماذا نقول، لا؟
السنيورة: سأجيبك على ذلك بسرعة. المطروح ليس المبادلة ما معناه لن يعطوك شبعا ويطلبوا منك كل شيء آخر.
فنيش: إذا وافقنا كحكومة لبنانية على ما يطلبونه منا الآن، بعد قليل سيطلبون منا أن ننزع ثيابنا ويوقفونا إلى الحائط (مازحاً).