بعد «السرفيس» و«الفان»، حلّ زمن الـ«توك توك». وصلت إلى لبنان وسيلة النقل الأهم في البلدان المكتظة، خصوصاً تلك التي تقع بمعظمها تحت خط الفقر كبنغلادش وباكستان والسودان.بدأت الحكاية منذ سنتين تقريباً، عندما أدخل تجار الدراجات النارية الـ «توك توك» الصيني إلى لبنان. وسرعان ما بدأ ينتشر في بئر حسن وطريق المطار والأوزاعي والرحاب والدورة، في ضواحي بيروت، وكذلك في باب التبانة والسوق القديم ومنطقة الحدادين في طرابلس.
قد لا يعرف سكان ضواحي المدينتين بعضهم بعضاً. لكن البناء المنهجي للطبقات الشعبية ينتهي باتحادها، طبقةً تلو طبقة، من الأدنى إلى الأعلى. إنها كتلة لا علاقة لها بالسياسة، بل تقع ضمن ميزان الاقتصاد وحال المجتمع.
في ضواحي المدينتين، بات لهذه المركبة التي لطالما التصقت بالفوضى والفقر، حضور قوي، كباب للارتزاق يقي أصحابها وطأة الإيجارات وذلّ البطالة. «رأس مال بسيط لا يتعدّى 1600 دولار، وبلا طوشة المحلات والإيجارات» كما يقول محمد، بائع الكعك في منطقة الرحاب في صبرا. رأي يشاطره إياه حامد الذي فُصل من عمله قبل عام، فاشترى «توك توك» وحوّله إلى «إكسبرس» لبيع القهوة في السوق القديم في طرابلس: «هيك أريحلي. لا دوام ولا مدير فوق راسي. بطلّع 40 ألف ليرة بالنهار تعيل خمسة من أفراد عائلتي بعدما فشلت في الحصول على عمل آخر». عامل آخر، يشجّع على اقتناء هذه المركبة، وهو الاستعاضة بها عن الدراجات النارية، «لأن الدولة كتير بتشدد هون عالموتسيكلات وبيظلمو الناس»، بحسب عمر الساكن في طرابلس.
«رأس مال بسيط لا يتعدّى 1600 دولار، وبلا طوشة المحلات والإيجارات»


في الضاحية، بدأ أخيراً يُسجَّل استخدام جديد للـ«توك توك» كوسيلة للنقل «أسرع من السرفيس... وأرخص بألف ليرة» على ما تقول سمية التي تستخدم «تاكسي» الـ«توك توك» للتبضع. إذ إن هذه الآلية قادرة على «التسلل» بين السيارات، وليست مضطرة إلى كثير من «اللف والدوران»، كما هي حال الفانات والحافلات، بسبب قلّة عدد الركاب الذي لا يتعدى الاثنين، رغم «الخضخضة» بسبب بنيانها الهشّ.
يحصّل حسن، سائق الـ«توك توك» البالغ من العمر 19 عاماً، «40 الف ليرة يومياً». قلقه دائم من حواجز الدرك التي يعمل على تفاديها، لأن لا تصنيف رسمياً بعد لهذه المركبة الكهربائية وما إذا كان مرخّصاً لها نقل الركاب أو البضائع أو غير ذلك. الـ«توك توك» في لبنان، كما كل شيء آخر في هذا البلد، «لا معلّق ولا مطلّق». رغم ذلك، لا يخفي حسن سعادته بما تدرّه عليه الـ«ميني تاكسي» التي يسهب في تعداد «محاسنها». لكن سعادة «المُسترزقين» على الـ«توك توك» لا تنفي أن الانتشار الآخذ بالتزايد لهذه المركبة في ضواحي الفقراء مظهر جديد من مظاهر تدني أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية.