تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، على تأليف حكومة وحدة وطنية أسقط واحداً من الخيارات السلبية المتداولة في ظل تعثر تأليف الأولى. في ما مضى، رجّح عون حكومة الأكثرية قبل أن يتخلى عنها نهائياً في عيد الجيش الأربعاء الفائت، كي يجزم بتمسكه بتمثيل المكونات اللبنانية جميعها وعدم تغييب أي منها. بدوره، سمع برّي الثلثاء الماضي، في عين التينة لدى اجتماعه بنائب رئيس المجلس ايلي فرزلي والوزير جبران باسيل خيار حكومة الأكثرية، سرعان ما أمسك أمامهما بحجة البابا فرنسيس ــــ وكان وصل إليه خطابه قبل وقت قصير ـــــ يؤكد التمسك بالحوار. قرأ على مسمعهما عبارة البابا: اللقاء والحوار يجب أن يكونا بعيدين من الاختلاف.بانتهاء اجتماع عين التينة، اعتبر رئيس المجلس أن الخوض في حكومة أكثرية أضحى من الماضي. تبعاً لموقف رئيس المجلس، وفي حصيلة ما ناقشه مع فرزلي وباسيل، تتضح المعطيات الآتية:
أولا، ليس بين يديه أي تفويض حتى الآن للدخول على خط العقبات التي تحول دون تأليف الحكومة. لا يمانع في التوسّط إذا طلب منه طرفا الاشتباك. لكن الأهم في ذلك الإصغاء إلى اقتراحاته لإيجاد مخارج يصير إلى الاحتكام إليها. إلى اللحظة، يعتقد رئيس المجلس أن الأفرقاء المعنيين بالعقبات يتشبثون بشروطهم، ولا أحد يتقدّم خطوة نحو الآخر. الأسوأ أن بعضهم لا يتحدث مع البعض الآخر، وهو أمر لا يجد له تفسيراً أو تبريراً.
ثانياً، على رغم تمسكه بحكومة وحدة وطنية، واعتقاده بأنه ورئيس الجمهورية حسما نهائياً هذا الخيار ما يجعله ملزماً للجميع، ناهيك بمناداة الرئيس المكلف سعد الحريري بهذا الخيار أيضاً، يجد برّي في تمثيل «كل المكونات اللبنانية» العقبة الفعلية التي عطلت تأليف الحكومة. يلاحظ ــــ بحسب زواره ــــ أن سقف حكومة الوحدة الوطنية يقتضي أن يشكل دافعاً لاستعجال التأليف، كونها تستوعب الأفرقاء جميعاً. لكن ذلك يقتضي جلوس الأفرقاء المعنيين بعضهم مع بعض. ما يسمعه زواره منه أنه لا يرى سبباً لعدم حصول لقاء في ما بينهم، في إشارة مباشرة إلى الرئيس المكلف ورئيس التيار الحر. حمله ذلك على القول لباسيل بعدما أصغى إلى دفاعه عن وجهة نظره، أنه سيطلع الحريري عليها، في محاولة فتح كوة في الحوار بين رجلين يتبادلان القطيعة.
ثالثاً، لم يتردّد برّي في القول لباسيل إن الانطباع الشائع أنه هو الذي يقف في طريق تأليف الحكومة، وهو ما يردّده الحريري أيضاً. إلا أن وزير الخارجية عزا عدم ذهابه إلى مقابلة الرئيس المكلف كي لا يجد نفسه أمام خيارين لا يريد أياً منهما: أن يقبل بما يصر عليه الحريري لفرضه، أو يصير إلى اتهامه هو بالعرقلة. وأضاف في إجابته أن جل ما يلح عليه هو حصته ككتلة نيابية، نافياً أن يكون وضع فيتو على أي أحد.
رابعاً، يربط رئيس المجلس استعجاله تأليف الحكومة الذي دخل شهره الثالث بلا طائل، بإعادة تحريك دورة الحياة الاشتراعية. يسارع إلى القول إن المادة 69 من الدستور كفلت التئام البرلمان في عقد استثنائي طيلة فترة تصريف الأعمال، ما يتيح له مباشرة الاشتراع. على رغم الصلاحية الدستورية هذه، يقول إنه فضّل التريث بعض الوقت، قبل أن يجزم أنه لا يستطيع الانتظار طويلاً.
رئيس المجلس: أسوأ ما يحصل أن أحداً لا يتحدّث مع الآخر


خامساً، بحسب ما يلمسه المطلعون على موقف رئيس المجلس، يلاحظ أن ثمة عقبة رئيسية تضاف إلى العقد الدرزية والمسيحية والسنّية ــــ وهذه في نظره قابلة للحل بطريقة الاستيعاب ــــ تكمن في التسابق على مقعد نائب رئيس الحكومة، من دون أن يستحق الوصول إلى هذا المنصب مثل هذا العناء والضجيج، نظراً إلى افتقاره إلى صلاحيات دستورية، وإجرائية حتى، في النص والممارسة. بل يكاد يبدو منصباً معنوياً ولقباً ليس إلا. الواقع أن ما يصح على منصب نائب رئيس مجلس النواب لا يتطابق البتة مع منصب نائب رئيس الحكومة.
قبل سنوات، فوتح برّي بخلاف مشابه على هذا المنصب في معرض المقارنة بين موقعي نائبي رئيسي البرلمان والحكومة. حينذاك أجاب السائلين أنه بنى عمارة لمكاتب النواب جميعاً مجاورة للمبنى الرئيسي لمجلس النواب الذي استقر فيه فقط مكتبا رئيس المجلس ونائبه. تلك دلالة على أهمية منصب نائب رئيس المجلس الذي يحل محل رئيس المجلس عند غيابه، وهو بحسب الدستور والنظام الداخلي يمتلك صلاحيات رئيس المجلس عند الحلول محله. في ذلك الوقت، ذكّر برّي بأنه ناط بفرزلي أولاً في برلمانات ما قبل عام 2005 بالجلوس مكانه في ترؤس اللجان النيابية المشتركة كلها بلا استثناء. فعل ذلك أيضاً في ما بعد مع نائبه فريد مكاري عندما ترأس جلسة عامة وكان رئيس المجلس في سفر.
في المقابل، ما لا يقوله رئيس المجلس، أنه لا يسع نائب رئيس الحكومة الحصول على مكتب أو كرسي حتى في السرايا.