لا جواب حاسماً بعد بشأن ما سيحلّ بـ 37 ألف طالب (4 آلاف منهم طلاب فلسطينيون لاجئون من سوريا) في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ«أونروا» لهذا العام. لم يأت الخبر اليقين بعد عن موعد انطلاق العام الدراسي، في انتظار «جهود الوكالة الجارية لتأمين التمويل اللازم»، بحسب التصريح الأخير للناطق الرسمي باسمها سامي مشعشع، والتي على أساسها سيتخذ المفوّض العام للوكالة القرار النهائي «منتصف آب الجاري».في انتظار منتصف الشهر، يبقى الطلاب اللاجئون رهينة قلقٍ من التسريبات عن احتمال تأجيل العام الدراسي لهذا العام، وهو ما لم تؤكده الوكالة، كما لم تنفه. ومنذ أيامٍ، يعيش هؤلاء على أخبار «مصادر» الوكالة، التي سرعان ما يلحقها نفي من «الناطق الرسمي». آخر التصاريح التي أعادت أملاً كادوا يفقدونه، ما نُقل عن مدير عمليات الـ«أونروا» في الضفة الغربية، سكوت أندرسون، بأن «العام الدراسي سينطلق في موعده المعتاد في 29 الشهر الجاري في أقاليم الضفة وغزة والأردن وسوريا ولبنان بعد نجاحنا في توفير الأموال اللازمة لانطلاقه». أمل لم يستمر لأكثر من ساعات، إذ سرعان ما نفى مشعشع الخبر، مكرراً السردية نفسها عن «جهود المفوض العام لضمان المبالغ المطلوبة لفتح مدارس الـ«أونروا» الـ 700 التي توفر التعليم لنصف مليون طالب وطالبة في الأقاليم الخمسة».
لا جواب رسمياً. لكنْ ثمّة قلق مستفحل من العجز المالي الذي يكبر مطلع كل عام، ويبتلع في كل مرة جزءاً من الخدمات التي تقدمها الوكالة. وهي خدمات لا تعود حتى ولو انتفى سبب إلغائها. هذه المرة، ينذر العجز ــــ الذي يتجاوز 200 مليون دولار ــــ بقضم خدمات جديدة. وهي خدمات لا تعود حتى ولو تأمّن التمويل اللازم. وهذه السياسة باتت نهجاً: تبدأ القصة بإطلاق نداءات لسدّ العجز، تلحقها «مسوّدات» بإجراءات احترازية. يتأمّن التمويل، لكن المسوّدات تصبح أمراً واقعاً. يؤكد «العارفون» بشؤون الوكالة أن «التمويل سيتأمن، والعام الدراسي سيفتتح، لكن الإجراءات الاحترازية ستطبق رغم ذلك، وهذا ما حدث العام الماضي وقبله».
اليوم، تواجه الوكالة أزمة تراجع «إمدادات» الدول المانحة، وأهمها الولايات المتّحدة التي خفضت منحتها إلى أقلّ من النصف. ومن أصل 460 مليون دولار، لم تؤمن الـ«أونروا» حتى الآن أكثر من النصف، ما دفعها إلى أخذ إجراءات يعتبرها المعنيون باللجوء «مجحفة». ومن الإجراءات المقترحة ما يمسّ خدمات التعليم والصحة التي تشكّل النسبة الأكبر من الميزانية. وفي هذا الإطار، طرحت الوكالة مسوّدتي «ترتيبات» مقترحة لبرنامجي التربية والتعليم والصحة.

مسودات الترتيبات الإحترازية
في ما يخصّ برنامج التعليم ــــ وهو أكبر البرامج ويستحوذ على 70% من الموازنة ــــ تقترح الوكالة دمج المدارس. وهو خيار إن صار نافذاً، سيلحق بقرارات أخرى سبق أن اتخذتها، منها قرار العام الماضي بـ«وضع 50 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة»، وفق مسؤول العلاقات العامة في «مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان» محمد الشولي ــــ وقرار آخر بعدم توظيف إداريين أو معلمين محل من يتقاعدون. وقد شهد العامان الماضيان تقاعد نحو 110 أساتذة، لم توظّف الوكالة بدلاء منهم، ولجأت إلى خيار الاستعانة بأساتذة «مياومين» أو تمديد عقود المتقاعدين يومياً.
خيار الدمج يفترض أن يطاول كل المناطق التي توجد فيها مدارس الوكالة، وتحديداً المستأجرة منها، باستثناء بيروت. ففي البقاع، مثلاً، «سيشرف مدير واحد ونائبه على مدرستَي القسطل وطبريا في مخيم الجليل. وفي قطاع صيدا، ستدمج مدرسة العوجة المختلطة (111 طالباً) مع مدرسة الحولة، ليصبح عدد الطلاب في الأخيرة 427 طالباً. أما في منطقة صور ــــ المعشوق، فسيوزّع طلاب مدرسة الطنطورة في مخيم المعشوق على مدرستَي نمرين للبنات (709 طلاب) والشجرة للصبيان (651 طالباً) في مخيم البص. وفي الشمال، سيوزّع طلاب مدرسة عين كارم على مدرسة غزة المختلطة ومدرسة طوباس في نهر البارد. كما تطاول الترتيبات مدارس مخيم البداوي.
ومع هذه التقليصات، يصبح عدد المدارس بحدود 60، بحسب الشولي، علماً بأنها كانت 68 في 2016 و74 ما قبل الأزمات. برأي الأخير، ستحمل هذه التقليصات في قطاع التعليم تداعيات سلبية، فحشر الطلاب بهذا الكم في غرفة واحدة «سيؤثر على نتائجهم، كما أن قرار تأمين الكتب بنسبة 5% في الوكالة بعدما كانت مؤمنة بنسبة 100% سيؤثر اقتصادياً على عائلات الطلاب». القرارات لا تنتهي، وإن لم تذكرها الوكالة في مسوداتها، إلا أنها بدأت بتطبيق غالبيتها، مثل خفض سن التقاعد الى 60 عاماً بدلاً من 64، ومنع التوظيف، ما يجعل «الطلاب المتخرجين رهينة البطالة، وخصوصاً في ظل تسكير سوق العمل اللبناني أمامهم».
أما في قطاع الصحة، فتعتمد الـ«أونروا» صيغة جديدة تستند إلى فكرة «الفريق الطبي الواحد» الذي يفترض أن يتنقل بين المناطق. وهي ترتيبات تطاول التجمعات. فعلى سبيل المثال، يتنقل فريق طبي واحد في منطقة صور بين أنصارية والقاسمية وكفربدا والمعشوق والشبريحا، بمعدل يوم واحد في الأسبوع. وفي صيدا، يخصص الفريق الصحي يوماً له في كل من تجمعي الغازية والنبطية و3 أيام في المية ومية. وفي بيروت، يقفل «الدعم» في برج حمود، فيما يعمل الفريق الطبي 3 أيام في عيادة بيروت المركزية ويومين في ضبية. أما في البقاع، فتقسم المراجعات الطبية بين يومين في سعدنايل و3 أيام في بر الياس. وفي الشمال، يومان في مخيم البداوي و3 أيام في الميناء.
خشية من تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى لاجئين كغيرهم في طوابير مفوّضية الأمم المتحدة بلا خصوصية العودة


يفترض أن هذه «الترتيبات» سيُعمل بها في حال العجز. هذا ما تلفت إليه الـ«أونروا». ولكن، بالنسبة إلى المتابعين من أبناء المخيمات، فإنها ستصبح واقعاً كيفما تنتهي إليه الأمور. وفي هذا الإطار، يلفت أحد العاملين في الوكالة منذ سنواتٍ طويلة الى أنه مع كل نقص في التمويل تلغى برامج «وهذا أمر بات معروفاً». يتحدث عن تحولات تحدث ببطء إلى درجة أن لا أحد يشعر بها إلا إذا نظر سنواتٍ إلى الخلف. وهي تحولات «مسيئة تحرف المنظمة عن هدفها». وهذا ما يؤكده مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، مروان عبد العال، الذي اعتبر أن «ما تقترحه الـ«أونروا» من تقليصات يهدف الى ترويض الرأي العام بحصر دورها على الصعيدين الصحي والتربوي، وهي مسألة بالغة الحساسية وستكون لها تداعيات كارثية اجتماعياً واقتصادياً». يأمل عبد العال ألا «تتورّط الوكالة في المساهمة بالضغط الإنساني لمآرب سياسية باتت تطالب بها الدول المانحة»، وعلى هذا «لا يمكن قبول تغيير وظيفة الـ«أونروا» أو دفعها للاستجابة بما يضر بسمعتها الأخلاقية ودورها الذي أنشئت لأجله».
ثمة معنيون بالوصول إلى هنا، وهم ثلاثة: الدول المانحة والدولة المضيفة ومنظمة التحرير، «والثلاثة نائمون»، على حدّ تعبير أحد المعنيين بالملف. وفي ظلّ ما يحدث اليوم، لا يفسر هؤلاء ما يجري سوى بـ«سياسة القضم التدريجي للخدمات تمهيداً لتعويد اللاجئين على ما هو موجود». والخوف من الوصول إلى «تحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى لاجئين في طوابير مفوضية الأمم المتحدة وإلغاء الـ«أونروا» ليصبحوا مجرّد لاجئين كغيرهم»، بلا خصوصية العودة.