يقبع المناضل اللبناني جورج عبدالله أسيراً في السجون الفرنسية منذ 34 عاماً. يُعدم شاب لبناني في السعودية ولا تسلّم جثته لذويه. يُعتقل لبنانيون في أرجاء العالم بتهم دعم الارهاب. تتعدّد القضايا وتختلف مضامينها، وبغضّ النظر عن ملابسات كلّ منها، فإنّ ما يجمعها خيط واحد: تقصير رسمي في متابعة ملفّات تتعلّق بمواطنين لبنانيين في الخارج. آخر تجليات هذا التقصير قضيّة اللبنانية منى المذبوح الّتي قضت محكمة جنح مصر الجديدة بحبسها ثماني سنوات على خلفيّة نشرها فيديو على صفحتها الشخصية على موقع فايسبوك تتعرّض فيه بالإساءة للشعب المصري، من دون أن تحرّك الدولة اللبنانية ساكناً. اللهم الا وعد وحيد من وزير الخارجية جبران باسيل لعائلة المذبوح، لدى استقباله لهم أول من أمس، بمناقشة الأمر مع نظيره المصري سامح شكري.أمس، نظّم «المركز اللبناني لحقوق الإنسان» مؤتمراً صحافياً ناشدت خلاله العائلة وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان السلطات المصرية الافراج عن المذبوح، والسلطات اللبنانية التدخّل قبل فوات الأوان. تجنّبت العائلة التّصعيد، وحاولت مقاربة الموضوع من زاوية الاضطراب النفسي. علماً أن أحداً لم يثر القضية الأساس في الملف، وهي تعرّض المذبوح للتحرش. إذ أشار والد السجينة، علي، إلى أنّ «ابنتي لم تقدم على هذا التصرّف بكامل وعيها، فهي تعاني من انفصام في الشّخصية، وقد خضعت منذ 12 سنة لعملية أمّ الدّم الدّماغية». وكرّر اعتذاره إلى الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي والشّعب المصري. وناشد السلطات اللبنانية والمصريّة «التدخل بشكل طارئ لإصدار عفو خاص بحقّها مراعاةً لظروفها الصحية والذهنية غير السليمة»، خصوصاً أنّ أياماً خمسة تفصلها عن جلسة الاستئناف «المصيريّة» المقرّرة في29 الجاري.
المذبوح تحتاج إلى عفو خاص لأن الحكم عليها جاء بإيعاز من السلطات العليا


الناشطة نعمت بدرالدين أوضحت لـ«الأخبار» أن «الوزير باسيل وعد باستكمال الملفّ على أمل أن يناقش مضمونه مع نظيره المصري، أمّا خطوتنا التالية فهي التوجّه إلى القصر الجمهوري». ولفتت إلى أنّ «هناك أصداء من لبنانيين متخصّصين في الشأن المصري تقول بأنّ لا الحلّ الدبلوماسي ولا الحل الاعلامي سينفعان. المذبوح تحتاج إلى عفو خاص لأن الحكم عليها جاء بإيعاز من السلطات العليا».
الحكم بحقّ منى صدر في ثلاث جرائم، بحسب ما أشار وكيل العائلة المحامي حسن بزّي بعد تواصله مع وكيل السجينة في مصر: «الأول تحقير الشعب المصري، والثاني التعرض للآداب العامة، والثالث قدح وذمّ». لكن اللّافت في القضيّة، وفق بزّي، أنّ «القاضي حكم في الجرائم الثلاث بالعقوبة القصوى ثم أدغم العقوبات حتى أصبحت مدّة الحكم 8 سنوات والغرامة الماليّة 41 ألف جنيه، من دون الأخذ في الاعتبار التقارير الطبية التّي تثبت عدم استقرار حالتها النفسية». وأشار إلى أن المادة 62 من قانون العقوبات المصري المماثل لقانون العقوبات في لبنان تنصّ على أنه «لا يُسأل جنائياً الشّخص الّذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسيّ أو عقليّ أفقده الإدراك أو الاختيار».
قانوناً، بحسب بزي، «يجب أن تُمنع الملاحقة بحقّ المذبوح. أمّا إذا ما دخلنا في حسابات أخرى وكان لا بدّ من المحاكمة، فيجب الأخذ في الاعتبار واقعها المرضيّ أو أقلّه وقف تنفيذ العقوبة». وأكد أنّ «ليس الهدف من التقارير الطبية لفلفة الموضوع، فالفتاة لا تزال قيد العلاج ووجودها في السجن سيزيد من أزمتها الصحية».
مديرة المشاريع في المركز اللبناني لحقوق الإنسان جوزيان نون ادانت الفعل الّذي أقدمت عليه المذبوح، لكنّها اعتبرت في الوقت عينه أنّ «حكم المحكمة أساء إلى مصر أكثر من الإساءة المفترضة التي قد يكون تسبّب بها الفيديو بحدّ ذاته»، لافتةً إلى أنّ «الجريمة الوحيدة في هذا الموضوع هي التحرش الّذي كانت منى المذبوح ضحيّته».