مضى أكثر من عامٍ ونصف عام على الورشة التي أطلقها مجلس النواب لإقرار القوانين المُرتبطة بملف استخراج النفط في المياه اللبنانية. منذ كانون الأول (2017)، تسكن هذه القوانين أدراج النواب واللجان المعنية. «اللهفة» التي رافقت طرحها سابقاً بهدف ملاقاة الحكومة في عملية إستدراج العروض وفتح باب المناقصات أمام الشركات الدولية المعنية، لم تُترجم إسراعاً في مناقشتها لإقرارها. الحماسة السياسية «فرملت» اندفاعتها «النكايات السياسية» التي منعت أكثر من مرة اجتماع لجنتين من أصل ثلاث لجان يفترض بها مناقشة القوانين. فقد شكّل البرلمان ثلاث لجان نيابية لدرس ثلاثة اقتراحات قوانين. يرتبط الأول بالتنقيب عن النفط في البرّ، والثاني بإنشاء الصندوق السيادي، والثالث بتأسيس الشركة الوطنية للنفط. لكن دخول مجلس النواب في "غيبوبة الانتخابات الرئاسية" حال دون الدفع بها الى الهيئة العامة. بالأمس، وبعدما دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي لعقد أول جلسة للجان المشتركة (خلال ولاية المجلس الجديد) الخميس المقبل، تبيّن أن جدول الأعمال يضم واحداً من القوانين الثلاثة وهو المرتبط بالصندوق السيادي.
(مروان طحطح)

على قدر أهمية هذا الملف، أتت مقاربته من زاوية ضيقة. وقد حال السجال السياسي حوله دون عقد اللجنة الخاصة به برئاسة النائب إبراهيم كنعان. صحيح أن هذه القوانين لم تكُن لتعطّل مسار تلزيم بلوكات النفط، لكن أهميتها تكمن في أنها أحد أبرز عناصر البنية القانونية المتكاملة لهذا القطاع في المستقبل.
يتفق عدد من النواب الذين كانوا أعضاء في هذه اللجان (قبل الانتخابات النيابية الأخيرة) حول نقطة واحدة. «العجلة في إقرار هذه القوانين غير مستحبة، لأن أي تضارب مع الرؤية الاقتصادية للبلد يُمكن أن ينعكس نتائج كارثية في هذا القطاع». لكن عدم الإستعجال "لا يعني أن بالإمكان المماطلة بشكل سلبي".
لماذا وضع الصندوق السيادي على جدول أعمال هذه الجلسة دون باقي اقتراحات القوانين؟ حين يرتّب النواب اقتراحات القوانين، يعطي الجميع الأولوية لاقتراح قانون الصندوق السيادي لأن "عائدات الموارد الطبيعية يجب أن تذهب مباشرة الى هذا الصندوق". المشكلة اليوم هي في الجدل القائم، بدءاً بالحاجة الى الصندوق من عدمها، مروراً بالجهة التي ستكون مسؤولة عنه، وصولاً الى كيفية التصرف بعائداته. إذ انقسمت الآراء حول هذا الأمر بين تمويل مشاريع بنى تحتية أو خفض الدين العام. لكن النواب الذين شاركوا في حفلات السجال يؤكّدون أن الخلاف الأكبر في ما يتعلق بالصندوق السيادي كان ولا يزال حول هوية الجهة المشرفة عليه، حيث يعارض كل من التيار الوطني الحر وتيار المستقبل أن يكون تحت إشراف وزارة المالية، وهما يطالبان بأن يكون تحت إشراف مصرف لبنان، بحجّة أن الأخير «يتمتّع بدرجة ثقة عالية»!
التيار الحر والمستقبل طالبا بأن يكون الصندوق تحت إشراف مصرف لبنان، بحجّة أن الأخير يتمتّع بدرجة ثقة عالية


عدد من المتخصصين الذين شاركوا في إعداد اقتراح القانون أشاروا الى أن التجارب الناجحة في العديد من البلدان تؤّكد ضرورة "فصل السياسة النقدية عن السياسة المالية والسياسة الإستثمارية للصندوق". كما أن "نموذج الإدارة المستقلة هو الأمثل للبنان، وهدفه ادخار معظم الأموال، وأن بناءه سهل بسبب توفر المهارات اللبنانية". كما يجب أن تبقى موازنة الصندوق منفصلة عن موازنة الدولة كي لا يستطيع أحد التصرف بأموال الصندوق، بل توضع سياسة محددة لطريقة استثمارها". ويشدد هؤلاء على أن طرح مصرف لبنان «هو طرح سياسي لأن وزارة المالية ستكون لها وصاية على مجلس إدارة الصندوق، بمعنى أنها ستكون الرابط بينه وبين مجلس الوزراء. وهي التي ستتولى نقل ما يسمى تفويض الإستثمار وحسب. وهذا الأخير هو عبارة عن رؤية استراتيجية، إما توافق عليه الحكومة أو ترفضه، على أن تتولى الوزارة إبلاغ مجلس إدارة الصندوق به». هؤلاء يعتبرون أن سبب رفض البعض أن يكون الصندوق تحت إشراف وزارة المالية، كون الأخيرة اليوم بيد طرف سياسي محدد في البلد. ولو كانت الوزارة بعهدة فريق المعارضين لوصايتها، لما سمعنا اعتراضهم».
وفي انتظار ما ستقرره جلسة اللجان حول عبور اقتراح قانون الصندوق السيادي إلى الهيئة العامة لإقراره أو لا، ثمة اقتراح قانون آخر يرمي الى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، أعدّه النائب السابق جوزف المعلوف، بالتعاون مع هيئة إدارة قطاع البترول ووزارة الطاقة، لكنه لم يتحوّل بعد إلى قانون نافذ، برغم اجتيازه لجنتَي الأشغال والإدارة والعدل بحسب المعلوف. وهو اقتراح يرتبط بالشفافية، إذ في حال تحوله الى قانون «سيكون لكل مواطن الحق في الحصول على المعلومات حول هذا القطاع». ويحدد هذا الاقتراح "المعلومات التي يمكن الإفصاح عنها، فضلاً عن وضعه قيوداً على المسؤولين تمنعهم من الاستثمار في قطاع النفط". كما يضع ضوابط حول الجهات التي تملك حق الادّعاء الجزائي في حال وجود أي خلل، يقول المعلوف.