أثيرت مؤخراً مسألة جواز إلغاء تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، واستند أصحاب هذا الرأي إلى أنه طالما لم يكلّف بموجب مرسوم، بل بموجب كتاب، فإنه يمكن الرجوع عن هذا التكليف. إذا كان للتطبيق أن ينسجم مع النص الدستوري، كان ينبغي تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بموجب بيان أو كتاب يصدر عن رئاسة الجمهورية، وذلك بالاستناد إلى نتائج الاستشارات النيابية الملزمة. غير أن عدّة أسباب تجعل من المستحيل إصدار مرسوم تعيين رئيس الحكومة فوراً وأبرزها الآتي:
1- إن رئيس الحكومة وإن كان موقعاً دستورياً له خاصيته، إلا أن موقعيته يستمدها من الحكومة التي يرأسها، فهو رئيس الحكومة ورئيس مجلس الوزراء، فإذا لم تتشكل هذه الحكومة، لا يكون مبرراً تعيين رئيس لها، بل إن الدستور واضح لناحية التمييز بين الرئيس المكلف وبين رئيس مجلس الوزراء، حيث استخدمت المادة 53 هذين المصطلحين للدلالة على الفارق بينهما.
2- في الفقرة الثانية من المادة 53/ دستور: «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها». وجاء في الفقرة الرابعة: «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم». الفرق واضح بين المصطلحين، فهو في المرحلة الأولى مجرد رئيس مكلّف، وقد حدد له الدستور صلاحية وحيدة هي أن يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ولا يملك صلاحية التوقيع على مرسوم تأليفها إلا بعد أن يصدر مرسوم تسميته رئيساً للحكومة، لأنه من دون هذا المرسوم، لا يملك ممارسة صلاحية التوقيع أو التحدث باسم مجلس الوزراء أو تمثيله.
3- إن تعيين رئيس الحكومة بموجب مرسوم يعني أنه يستطيع أن يمارس صلاحيات رئيس الحكومة كاملة، وبصدور هذا المرسوم، يكون قد انتفى دور رئيس الحكومة السابق (المكلف بتصريف الأعمال) والمعيّن بموجب مرسوم. هذا الواقع لا يستقيم منطقياً، لأن رئيس الحكومة المكلف تصريف الأعمال ما زال يمارس صلاحياته الدستورية، وفي ذات الوقت صدر مرسوم جديد بتسمية رئيس حكومة (كما يطرح أصحاب هذه النظرية)، فإننا عملياً سنكون في حالة يوجد فيها رئيسان للحكومة في الوقت نفسه، بل يكون من حق رئيسي الحكومة الوجود في مقر رئاسة الحكومة، ما يدفع إلى تنازع صلاحيات بينهما. إن طرحاً كهذا يؤدي بالحكومة إلى الشلل، لأن القول بأن الرئيس المكلف إنما يعيّن بمرسوم فور انتهاء الاستشارات النيابية يعني أنه يقتضي البحث عن موقعيته الدستورية: فلا هو يستطيع أن يترأس الحكومة القديمة بدلاً من رئيس الحكومة السابق، لأن هذا الترؤس غير دستوري (وقد حكمت بعدم دستورية تصرف كهذا المحكمة الدستورية العليا في الكويت)، وكذلك فإنه منفرداً ليس له القدرة على ممارسة صلاحيته في تسيير الشؤون الدستورية. ولهذا، فإن طرحاً من نوع إصدار مرسوم خطي ليصبح رئيس الحكومة المكلف محصّناً من العزل إلا بالطرق الدستورية، هو طرح غير دستوري. كما أن طرح تحديد المهلة بموجب قانون هو أمر غير دستوري، لأن المشترع الدستوري لم يفوّض مجلس النواب التشريع في شأن ممارسة الصلاحية الدستورية.
4- إن حكومة تصريف الأعمال الموجودة في فترة تسمية الرئيس المكلف تشكيل حكومة جديدة، هي حكومة ما زالت مستمرة في تأدية أعمالها تنفيذاً للمادة 64 من الدستور، طالما لم يصدر مرسوم اعتبارها مستقيلة، فكيف نتكلم عن مرسوم تعيين رئيس حكومة ولم يصدر مسبقاً مرسوم قبول استقالة هذه الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، بخاصة أن هذه الحكومة تمارس تصريف الأعمال بالاستناد إلى كون هذا المرسوم لم يصدر بعد، لأنه في لحظة صدور مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة عملاً بقاعدة توازي الصيغ، فإن هذه الحكومة تفقد سندها الدستوري ويصبح ممنوعاً عليها تصريف الأعمال أو الإتيان بأي عملٍ إداري أو دستوري. لهذا، وإلى حين صدور مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، فإن أي جهة لا تستطيع منعها من ممارسة صلاحية تصريف الأعمال.
لهذا، فإنه بعد انتهاء الرئيس المكلف من مهمته، ومنعاً لأي فراغٍ دستوري، يصار أولاً إلى صدور مرسوم قبول استقال الحكومة السابقة أو اعتبارها مستقيلة، ويصار ثانياً إلى صدور مرسوم تسمية الرئيس المكلف، ويوقّع رئيس الجمهورية منفرداً على كلا المرسومين، وأخيراً يوقّع الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية على مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة.
* أستاذ جامعي في مادة القانون الدستوري