سليم جريصاتي هو وزير العدل الوحيد في تاريخ الجمهورية اللبنانية الذي هاجمه مجلس القضاء الأعلى يوماً وخاطبه بعض أعضائه بقولهم: طفح الكيل (مِنْك).الوزير نفسه أجهض فرصة استقلالية القضاء يوم سحب المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي، (تُحدد صلاحية مجلس القضاء الأعلى وتمنح وزير العدل صلاحيات واسعة) التي سعى مجلس القضاء الأعلى طوال سنة ونصف سنة إلى تعديلها للتحرر من السلطة السياسية، فجاء الوزير وأجهضها.
وقتذاك، سحَبَ المؤتمن سياسياً على العدل اقتراح التعديل بحجة إعادة دراسته، لكن تبيّن أنه سحَبهُ من أجل القضاء عليه. جريصاتي هذا لم يسبقه وزير ضرب بالأعراف عرض الحائط، فيُطلّ بالصوت والصورة، وبوقاحة استثنائية، مقتحماً القضاء ومتدخلاً في ملفاته.
الوزير نفسه الذي تشدّق أمس مدّعياً أنّ «موقف الوزير عدم التدخّل بالشأن القضائي»، في ردّه على اتهام «الأخبار» له بنقل معلومات مغلوطة لرئيس الجمهورية والتدخّل للفلفة ملف القرصنة الإلكترونية، كون أحد أبرز الموقوفين تربطه علاقة قربى بالعدوّين الكاثوليكيين اللدودين في الأشرفية، وأحدهما ينتمي سياسياً إلى الكتلة التي صنعته وزيراً للعدل. الرجل نفسه اتّصل هاتفياً بقاض أمام عدسة الكاميرا، هو رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي هاني الحجّار في قضية مقتل جورج الريف. أمام الكاميرا، قال جريصاتي للقاضي: «ليك ريّس، هذا الملف صادم للرأي العام، وأنا أضعه على مكتبي ضمن الملفّات الساخنة (العبارة الأخيرة قالها بالإنكليزيّة). خلّيني كمّل لو سمحت... بدّي منّك شغلة….لا أريد أن أخلق سابقة في هذا الملف بأن هناك هيئة محكمة بأكملها، وأنا أتحدث هنا عن جنايات بيروت، وعلى باب مناقلات، فتطير بملف مثل هذا الملف.. أنا أتكلّم معك لأنك ابن الحجّار وابن عبد المنعم الحجار. أنت حبيبي، فالله يوفقك وبشوف وجهك الحلو عن قريب. لكن بـ13 (حزيران) بدّك تعطيني شي نوعي لكون فخور فيه». يتوجّه الوزير بعد ذلك إلى زوجة الريف، قائلاً: «شيري، دمعك هون بيسوى كل شي في عدليّة». ماذا سمّى جريصاتي هذا؟ كيف يجرؤ على فعل ذلك في «العهد القوي». هذه الحادثة وصمة عار ستبقى تلاحق جريصاتي، وسنُذكّره بها في كلّ مرّة يدّعي كذباً عدم تدخّله في عمل القضاء.
وللعلم، فإنّ التشكيلات القضائية الأخيرة، بمضمونها السياسي الفاضح، إن لم تكن أسوأ تشكيلات قضائية في تاريخ القضاء اللبناني، فإنّها بالتأكيد واحدة من أسوئها. هذا بشهادة عشرات القضاة الذين يشتكون من تدخّل جريصاتي في العديد من الملفات التي ينظرون فيها.
جريصاتي الذي كان محامياً عن حزب الله بوجه المحكمة الدولية ومستشاراً للشؤون القانونية للرئيس إميل لحود، اشتهر بدفاعه الشرس عن «وليّ نعمته». وكما يقول المثل الشعبي: «من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه»، لذلك، وفي غير مقام، تنطّح حتى يكون ملكياً أكثر من الملك، متناسياً أنّه وزير للعدل المفقود في هذا البلد. ويسجل له، أنه حتى في مرسوم التجنيس ـــ الفضيحة، كان السبّاق في الدفاع عنه، مستبقاً حتى تريّث رئيس الجمهورية. خرج يومها للقول: «مرسوم الجنسية حقّ رئاسي... وفي القصر قائد يسهر على الهويّة... وما يثار بشأنه غبار من سراب في بعض المنابر السياسية والإعلامية». لم تمض ساعات قليلة حتى خرج في اليوم التالي توضيح جريء من رئاسة الجمهورية يعلن تجميد المرسوم وإحالة الملف إلى الأمن العام للتدقيق في الأسماء الواردة فيه.
المضحك أنّ وزير العدل في بيان مكتبه، أمس، «تمنّى ألّا يُقحم اسمه في أخبار تحمل اتهاماً له قبل سؤاله عنها»، لكن نسي جريصاتي أنّه لم يُجب يوماً على اتصالات «الأخبار»، منذ تعيينه وزيراً، والأمثلة كثيرة.
ومن حسن حظ «الأخبار» أن زميلنا السابق وزير الداخلية نهاد المشنوق، تكفّل بالرد على زميله. فقد اعتبر وزير الداخلية أنّ القضاء أخطأ بإطلاق سراح مقرصن مواقع حكومية وأمنية قائلاً: «هذا جزء من الفولكلور اللبناني. تعوّدنا التدخّل السياسي والمالي في بعض القضاء... صحيح أُعطي مبررات صحية لتركه، لكن في مشكلة لازم نعترف فيها، في جزء من القضاء يتصرّف تبعاً للتدخلات السياسية». وختم بالقول: «كان يُمكن التروي والتدقيق في المعلومات قبل إطلاق سراحه بسبب تدخلات سياسية».


قراصنة جُدد قيد التوقيف
لم تُفرج الأجهزة الأمنية بعد عمّا في جُعبتها في قضية اختراق قراصنة إلكترونيين مؤسسات عامة وخاصة، وبعضها أمنية تبين أنها تفتقد نُظُمَ حماية حقيقية. حجم التدخلات السياسية يجعل مهمة المحققين حسّاسة جداً، لا سيما أنّ القضية تمس أسماءً كبيرة في عالم «البزنس» والأعمال. تدخلات نجحت في إخراج المشتبه فيه الرئيسي (خ. ص.) من مكان توقيفه، لكنها لم تتمكن ـــ حتى الآن ـــ من إقفال الملف.
ورغم أنّ فرع المعلومات في قوى الأمن يستعين بالكتمان حتى انتهاء التحقيق، إلا أنّ مصادر قضائية أكدت لـ«الأخبار» توقيف عدد جديد من المشتبه فيهم، أمس، بعدما تبيّن أنهم على علاقة بالمتورطين في عمليات القرصنة. وذكرت المصادر أنّ أحد القراصنة الموقوفين أكّد أنّه قبض مبالغ مالية بلغت عشرات آلاف الدولارات من الموقوف (خ. ص.) لقاء تزويده بالمعلومات المقرصنة. أما (خ. ص.)، فلم يُفصح عن الجهة التي يُزوّدها بالمعلومات، مؤكداً أنّه يحتفظ بها لنفسه. وقد حذا باقي الموقوفين حذوه، مؤكدين أنهم كانوا ينفذون الهجمات الإلكترونية ويخترقون المواقع ويسحبون الداتا منها لمجرد القرصنة (هواية)!
وعلمت «الأخبار» أنّ ملف التحقيق بات في عهدة قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم الذي سيُشرف على سير التحقيقات.