طالعَنا وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال بيار بو عاصي برد على مقال نشرته «الأخبار»، تحت عنوان «بيار بو عاصي: جعجعة ولا طحين» بتاريخ 3 تموز 2018، رأى فيه أن الصحيفة أقدمت «على اجتزاء الوقائع والترويج لمعلومات مغلوطة»، واضعاً ما تضمنه الموضوع في خانة «محاولة تشويه الصورة الناصعة لممارسة وزراء القوات اللبنانية التي اعتبرها الناس علامة فارقة في الممارسة السياسية والحكومية في لبنان»، وأن ما تضمنه الموضوع «مليء بتشويه الحقائق واجتزاء الوقائع والترويج لمعلومات مغلوطة».والواقع أن الصحيفة إنما استندت الى «نبذة صغيرة عن بعض إنجازات وزارة الشؤون»، نشرها موقع القوات اللبنانية، ولا يغدو الأمر مؤامرة أو خروجاً عن الأصول المهنية. لكن بعيداً عن نظرية «العقدة المؤمراتية» كما يسميها الردّ، يهم «الأخبار» أن تدخل في صلب موضوع يهمّ الرأي العام فعلاً.
يقول بو عاصي في ردّه، الذي عمّمه، أول من أمس، مشكوراً قبل أن تنشره «الأخبار»، عن خفض عدد العاملين في برنامج الأسر الأكثر فقراً إنهم «متعاقدون ولم تجدّد عقودهم وليسوا موظفين مصروفين... وأن لا هيكلية ملزمة في المشروع لعدد العاملين فيه، بل الأمر مرتبط بالحاجة الى مزيد من المتعاقدين». هذا الكلام مثير للتساؤل: أليس مشروع الأسر الأكثر فقراً من المشاريع المنبثقة عن الوزارة والتي تتطلب وجود هيكلية؟ وفي ما يتعلق بالأعداد، صرّح الوزير أكثر من مرة أن عدد المتعاقدين كبير جداً وأنه لا يجب أن يتجاوز 160 متعاقداً، والجميع يعلم في وزارة الشؤون أن قراراً أعدّ بمجموعة متعاقدين لا يتجاوز عددهم 160 متعاقداً وقد أبلغ الموظفون بذلك من قبل الوزارة.
أما أن الحاجة قد فرضت الزيادة بعدما كان اعتقد معاليه أنهم 160، فأن يصل العدد الى مرتين ونصف بالشكل الذي حصل لاحقاً، فهذا يقدم نموذجاً عن التخطيط (أو التخبط) الحاصل في الوزارة، وكم أن البرنامج مدروس بشكل يتجاوز فيه هامش الخطأ الـ 200 بالمئة! أم أن مصالح ومطالب خاصة كانت وراء رفع العدد، وخصوصاً مع وجود تساؤلات عند الموظفين في الوزارة عن حجم العمل الذي قام به المتعاقدون الـ 480 الذين أعادهم الوزير، وكم معاملة أنجز هؤلاء وكم استمارة قاموا بتعبئتها؟
لكن المشكلة التي لم يتطرق إليها الرد تتجاوز كونهم مجرد موظفين أو متعاقدين، لأن المال هو مال عام توظيفاً أو تعاقداً، بل في تحديد المعايير التي جرى التعاقد على أساسها معهم: هل هي حسب الجنس أو العمر أو الاختصاص أو المذهب؟ وهذا ما أشارت إليه «الأخبار» في تقريرها حين تحدثت عن مشاكل رافقت مشروع الأسر الأكثر فقراً منذ بدايته كانت تحتاج إلى معالجة، لم يقم بها الوزير الحالي الذي سار على هدي زملائه السابقين.
وهذا بالضبط ما يؤكده بو عاصي في رده حين يقول إن مسألة التوظيف «جرت قبل تسلمه مهماته، ولم نسمع أي تعليق يوماً من الصحيفة المنتقدة لا على طريقة التوظيف ولا على الأعداد ولا على بطاقات الفقر التي وزعت سابقاً بقسم كبير منها وفق المحسوبيات»، ما يدفعنا إلى السؤال عما قام به عندما اكتشف هذا الأمر، وما هو الإجراء الذي اتخذه لمنع تكبيد الدولة مصاريف وأعباء في غير محلها؟ وما هي المخالفات التي اكتشفها، و«الأخبار» التي أثارت الأمر في زمن الوزراء السابقين للشؤون، مستعدة لنشر هذه «الإنجازات» أو «الاكتشافات».
كما تحدث بو عاصي في رده عن «جهل الكاتب لمسار برنامج الفقر» وأتبع ذلك بالقول إنه أطلق مشروعاً مكملاً هو «تخريج»، فمن المعروف أن مشروع التخريج الذي يستحق فرصه بالنجاح، بدأ مع مشروع استهداف الأسر الأكثر فقراً وليس مع معاليه، وهو مشروع تعمل عليه الكثير من المنظمات والجمعيات على الأرض بتمويل محلي أو أجنبي. وهذه هي حال «الإنجازات» التي ينسبها بو عاصي لنفسه، في حين أنها تتمة لعمل الوزراء السابقين مثل «التدقيق بصحة 104 آلاف بطاقة فقر وإعادة تصنيفها وخفض العدد الى نحو 44 ألفاً»، فهذا المشروع باشرته الوزارة قبل مجيئه واستمر حتى وقت ليس ببعيد.
ردّ بو عاصي يفاخر بثقة المجتمع الدولي، علماً بأن الجميع يعلم أن الدول المانحة عينها على لبنان وعلى الأسر الفقيرة فيه لتخفيف حدة التوتر بين المجتمع اللبناني المضيف الفقير والنازحين السوريين، وليس صحيحاً أن بو عاصي من دفع بها الى مثل هذا القرار، بل معرفة الدول المانحة بواقع التوتر والتململ الحاصل في المجتمعات اللبنانية الفقيرة نتيجة الدعم الذي يحصل عليه النازح السوري أو قلة فرص العمل بسبب المنافسة وواقع البنية التحتية والموارد الأساسية التي ضعفت بسبب عدد النازحين هي السبب. أي أن دعمها ليس لأنها تثق بوزير ما، بل لأن المشروع يلبي طموحاتها. والسؤال الأهم هو أن ما تطرحه الدول المانحة هو cash money، فما هو موقف الوزير من هذا الطرح؟

البطاقة البيومترية
يرفض بو عاصي التشكيك بالبطاقة البيومترية، التي كبدت «الدولة اللبنانية صفر ليرة»، علماً بأن هذه البطاقة هي نتيجة اتفاق بين الوزارة وUNHCR التي تمول تطبيق البطاقة من أموال يجب أن تكون أصلاً مرصودة للنازحين السوريين وللدولة اللبنانية، أي أن التمويل وإن أتى من جهات أجنبية، فلا يلغي أنه على شكل هبة أو منحة أو غيرها لمصلحة الدولة.
إضافة الى ذلك، وبما أن الوزير أثار الموضوع، من قال إن الأكلاف التي كانت مقدرة لهذا المشروع هي أكلاف صحيحة ودقيقة؟ بعض الفساد أيضاً في المنظمات الدولية، وسوف يتكشف الأمر مع الوقت. ثم أين هو المشروع من أساسه؟ وهل أنجزت فعلاً الداتا المتعلقة بكل حالة وتم ربط المراكز في ما بينها؟ وللمناسبة، ماذا يقول الوزير للمؤسسات غير الحكومية (الدولية) التي تردد أنها عندما كانت تعرض على وزير الشؤون مشروعاً، كان يشترط عليها نسبة معينة من «التوظيف الانتخابي»، على حد تعبير مدير إحدى هذه المؤسسات.

الصعوبات التعلمية
وفي ما يتعلق بملف الصعوبات التعلمية، فإن ما ورد في ردّ بو عاصي هو بالضبط ما قصدته «الأخبار». نعم، يوجد 170 طفلاً بحوزتهم بطاقات إعاقة مقدمة من الوزارة، ودعمهم يتم تحت عنوان صعوبات تعلمية. السؤال هو عن تصنيف من بقي من الأطفال الذين يعانون من الصعوبات؟ وهو بالمناسبة موضوع يجب البحث به بعمق ليكون السؤال ما المقصود بالصعوبات التعلمية، ومن يحدد ذلك، وما هي الوسائل، إذ يمكن أن تخفي هذه التسمية أحياناً تجارة رابحة للمدارس.
ونختم بما بدأ به معاليه: كنا نتمنى ألا يكيل المديح على ذاته وزملائه ويترك للناس الحكم، ولا يتكلم على قاعدة امدح امدح حتى تصدق نفسك.