في 21 أيار الماضي، أي موعد الجلسة الأخيرة للحكومة، اختار وزير الصحة غسان حاصباني تمرير قرار يلغي مرسوم تحديد السقوف المالية للمستشفيات (المبالغ التي تدفعها الدولة إلى المستشفيات، بواسطة وزارة الصحة، كبدل استشفاء المواطنين غير المشمولين بتغطية الصناديق الضامنة) حتى يتمكن هو من توزيعها وفقاً لمعاييره الخاصة. ويومها ضرب المستشفيات الحكومية عبر تخفيض سقفها المالي، الأمر الذي لم يسبقه عليه أي وزير صحة، مقابل رفع سقوف مستشفيات خاصة، رغم أن بعضها يرفض استقبال مريض على حساب وزارة الصحة إلا بقرار من الوزير نفسه. غير أن المسألة الأهم أن وزير الصحة المفترض أن يكون أكثر الحريصين على صحة المواطن، فضّل طرح موضوع ثانوي يسير أصلاً بمرسوم منذ سنوات على أن يضع بنداً ملحّاً يتعلق بحياة آلاف اللبنانيين: أدوية معالجة مرض السرطان. فحاصباني الذي أنفق كل مال موازنة الوزارة السنوية، أي 153 مليار ليرة، وراكم ديوناً بلغت 87 مليار ليرة من العام الماضي، كان يدرك جيداً أن أزمة أدوية تلوح في الأفق، لا سيما أن الحكومة تدخل مرحلة تصريف الأعمال. وبالتالي لا يمكن لها بعد جلستها الأخيرة دعمه بمال من احتياطي الموازنة، وذلك سيقود حتماً الى مشاكل مع شركات توزيع الأدوية، لا سيما أن وزارة الصحة عاجزة عن تسديد فواتيرها في الأشهر الستة المقبلة. لكن «سوء إدارة» الوزير القواتي وعدم وضعه صحة المواطن في الدرجة الأولى، أديا الى انقطاع أدوية السرطان من مركز توزيع الأدوية التابع للوزارة منذ ما يقارب شهراً كالـ Jakavi وInlayta وIbronce وRevlimid وTemodol وEbetaxel وBenefix وAfinitor وNavelbime وNeupro وHycamtin وIfos وGemtabine وOxaliplatine. وتلك عينة من أدوية السرطان المقطوعة لا جميعها، فيما يبدو أن الدائرة الاعلامية في القوات إما لا تعلم أو تعلم وتتستّر على أخطاء وزيرها. فيوم أول من أمس، نفت القوات انقطاع الدواء، مؤكدة أن «الوزارة تحرص على تأمين استمرارية الدواء»! رفض الاعتراف بالمشكلة يعدّ مشكلة أخرى، خصوصاً أن عدم المباشرة بإيجاد حلّ سريع من شأنه أن يهدد حياة آلاف المرضى الذين يستحيل عليهم استبدال أدويتهم أو إيقاف العلاج بها أو التلاعب بوقت تلقّي العلاج. فالسرطان لن يحجم عن التمدد في جسم المريض بانتظار تأمين حاصباني الدواء مجدداً، فضلاً عن أن حياة المريض تتأثر بالدقيقة الواحدة، فكيف الحال إذا لامست المدة شهراً بأكمله!ّ ومن يتحمّل في هذه الحالة تدهور صحة المرضى نتيجة عدم حصولهم على العلاج المطلوب؟ تجدر الاشارة هنا، ولفت انتباه الوزير الذي «لا يعلم»، الى أن بعض أدوية الأمراض المستعصية، كالكلى والقصور الكلوي وأدوية المرضى الذين أجروا عملية زرع للكلى، مقطوعة هي الأخرى كالـ Prograf وAdvagraf، كذلك دواء الربو Xolair ودواء ترقق العظم Aclasta ودواء الأمراض العصبية Invega Sustena. وتشير المعلومات الى أن الشركات ستسلّم الوزارة في الايام المقبلة دفعة من الادوية، لكنها في صدد التوقف عن تسليم أدوية اضافية نتيجة عدم دفع الوزارة ما يستحق عليها. وتتحدّث مصادر «الصحة» عن حل قريب، من دون أن توضح كيف ستسدد الوزارة التي أنفقت كل موازنتها خلال ستة أشهر فواتير الأدوية.
من السهل توقع ردّ حاصباني والقوات على هذا الأمر بإلقاء اللوم على «محدودية موازنة الصحة»، التي عجز الوزير عن ترشيد الانفاق فيها من منطلق إيلاء الأولوية للأمراض المزمنة والمستعصية أو رفع الصوت في مجلس الوزراء وصولاً الى تحويل القضية الى قضية رأي عام إن تطلب الأمر من أجل تأمين أموال اضافية تضمن استمرارية الدواء بدل التلهي بمعارك دونكشوتية في وزارات غيره. اشارة الى ان مدير مكتب حاصباني ميشال عاد، وفي مقابلة أمس على «أل بي سي آي»، سخّف موضوع انقطاع أدوية السرطان وتذرّع بموازنة الوزارة التي لم تتغير منذ سنوات، فيما الطلب على الدواء يزداد، علماً بأن موازنة الادوية في الوزارة ارتفعت في عهد حاصباني من 138 مليار ليرة الى 153 مليار ليرة، فضلاً عن أن ادعاء عاد أن الوزير تقدم بطلب 70 ملياراً من احتياط الموازنة الى مجلس الوزراء، تنفيه المصادر نفياً قاطعاً، مؤكدة أن الطلب لم يرد أبداً في أي جدول لأعمال مجلس الوزراء. وحتى لا تكرر القوات أيضاً النغمة ذاتها عن «أن وزارة الصحة لا تميز بين إنسان وآخر، وبين منطقة وأخرى، بل تحرص على تأمين الدواء لكل إنسان بحاجة إلى دواء»، يجدر سؤالها عن تأمين وزيرها «النظيف» مبلغ 200 مليون ليرة مقسمة على دفعات الى والد أحد المسؤولين القواتيين الذي يعاني من مرض السرطان في حين تحجم عن خدمة مرضى آخرين بالطريقة ذاتها، علماً بأن المريض الآنف الذكر يتمتع بتأمين صحي من إحدى النقابات الكبرى التي تغطي نفقة علاجه كاملة، فضلاً عن أن الأدوية التي أمّنتها الوزارة له مختلفة عن الأدوية المعتمدة من قبلها.