مضى على إنشاء «سوليدير» 24 عاماً. منذ يومها الأول، كُلِّفَت إدارة أكبر عملية نهب منظّمة للأملاك الخاصة والعامة في وسط العاصمة. تحت ستار إعادة الإعمار، تحوّلت عقود الدراسات والإنشاءات إلى مغانم تقاسمتها المافيا السياسية. أخذت إدارة الشركة على عاتقها إدارة عمليات التمويل. رهنت العقارات المستولى عليها مقابل ديون مصرفية وفّرت تمويل قيمة العقود. مليارات الدولارات أُنفقت بهذه الطريقة. استمرّ الأمر لعقدين ونصف. لا المافيا تبدّلت، ولا الإدارة تغيّرت. نهبوا وسط بيروت وإعماره.
من الحضيض وإليه
راكمت «الإدارة» خبرة في توزيع المغانم. ثم تأهلت للفوز بنوع من الاستقلال الذاتي. باب آخر للفساد فُتح على مصراعيه. أتيح لإدارة «سوليدير» حرية التصرّف بـ4.8 ملايين متر مربع مبنيّ. باعت منهم 3.1 ملايين متر مبني بقيمة تفوق 2.7 مليار دولار. أما المساهمون، فقد حصلوا على الفتات. اليوم بقي 1.7 مليون تقدّر قيمتها وفق الأسعار الرائجة بأقل من 4 مليارات دولار. قلق المساهمين ــ أصحاب الحقوق، أن تضلّ هذه المليارات طريقها وتبقى رهينة توزيع المغانم. القسم الأكبر من توزيع أنصبة الأرباح كان عبارة عن أسهم انخفض سعرها اليوم إلى أقل من 9 دولارات. الفساد المعشِّش في هذه الشركة، أفقد المساهمين أي ثقة في إدارتها. الكثيرون باعوا أسهمهم «بالرخص». ها هم اليوم ينظرون إلى نتائج عام 2017 وتستحوذهم فكرة واحدة: الشركة وُلدت في الحضيض وتنغمس فيه أكثر فأكثر.

جبل الديون
رغم الألاعيب المحاسبية و«تركيب الطرابيش»، لم يعد بإمكان «سوليدير» طمس الواقع. فالتقرير المالي المفصّل عن 2017 يُظهر أن الشركة سجّلت خسارة بقيمة 118.5 مليون دولار مقارنةً بأرباح بقيمة 75 مليون دولار في 2016. جاءت هذه النتيجة رغم ارتفاع إيرادات الشركة من الإيجارات إلى 59.9 مليون دولار مقارنةً بـ56 مليوناً في 2016.
السبب الرئيسي وراء الخسارة، أن إدارة سوليدير ورّطت الشركة بجبلٍ من الديون يزيد على 860 مليون دولار، مقابل عدم تمكّنها من بيع أي قطعة أرض في 2017 وتحويل أكثر من 262 مليون دولار من محفظة السندات قيد التحصيل إلى ديون مشكوك في تحصيلها.
في بياناتها للمساهمين، تفاخر إدارة «سوليدير» بأنّ لديها محفظة سندات قيد التحصيل تصل إلى 502 مليون دولار. هذه السندات هي عبارة عن عقود بيع حصلت بموجبها الشركة على سندات من المشترين وقسّطت لهم الدفعات. كان يفترض أن تكون هذه السندات خط الدفاع الأول عن إفلاس الشركة، لكن التقرير المفصّل الموقّع من «ديلويت أند تاتش» يؤكد بما لا لبس فيه، أن التدفقات الصافية المتوقعة على مدى السنوات المقبلة لا تزيد على 364 مليون دولار مقارنة بـ 509 ملايين دولار في 2016. كذلك يظهر التقرير أن «سوليدير» اضطرت إلى أن تأخذ مؤونات بقيمة 128 مليون دولار مقابل سندات تحصيل عليها إشكاليات، وأنها أخذت مؤونات إجمالية بقيمة 30 مليون دولار.
ديون الشركة الإجمالية ارتفعت إلى 860 مليون دولار


أسوأ ما في الوضع، وجود سندات مشكوك في تحصيلها بقيمة 262.6 مليون دولار، بالإضافة إلى تأخّر في سداد سندات بقيمة 7.6 ملايين دولار. في المحصّلة، ليست هناك أي تدفقات من السندات في عام 2017، أما التدفقات المتوقعة، فهي على النحو الآتي: 35 مليون دولار في 2018 و50.4 مليون دولار في 2019 و186.7 مليون دولار ابتداءً من 2020 وما يليها!
المؤشر الإضافي على ارتفاع مخاطر الإفلاس في «سوليدير» متصل بالسيولة الفائض للشركة، إذ كانت 38.8 مليون دولار في 2016. أما في 2017، فلم تكن هناك سيولة فائضة، بل ثمة عجز بقيمة 51.4 ناتج من استعمال التسهيلات المصرفية المكشوفة بقيمة 83 مليون دولار في غياب أي شيكات للتحصيل.

تضخّم المصاريف الإدارية
أبسط القواعد المحاسبية تؤكد أن مخاطر الإفلاس في الشركة مرتفعة. الإيرادات المتوقعة على المدى القصير هي أقل بكثير من الديون المتوجبة السداد على الشركة على المدى القصير. هذا الأمر لا يشكّل عبئاً محاسبياً فقط، ففي ظل تدهور سوق العقارات في لبنان، ستكون الخيارات المتاحة أمام الشركة مقيّدة ومحدودة بصرف النظر عمّا أو عمّن أوصلها إلى هذه المرحلة. الإفلاس، التصفية الذاتية، وغيرها من الخيارات التي يجب على المساهمين درسها بدقّة خلال اجتماع الجمعية العمومية.
فمن أبرز المقارنات التي يمكن أن يستفاد منها، أن الكلفة الإدارية في الشركة ارتفعت بدلاً من أن تنخفض. كانت الكلفة الإدارية في 2016 نحو34.8 مليون دولار، وارتفعت في 2017 إلى 35.1 مليون دولار. يأتي هذا الأمر رغم أن الشركة أبلغت المساهمين أنها «استمرّت في سياسة خفض النفقات العمومية والإدارية، خاصة من خلال تقليص عدد العاملين ضمن مختلف الأجهزة التشغيلية والإدارية بحيث انخفض عدد العاملين في الشركة منذ أربعة أعوام حتى الآن بنسبة 25%».
هذا الإعلان في رأي عدد كبير من المساهمين «ليس كاذباً فحسب، بل هو الخديعة الكبرى التي تمارسها الشركة سنوياً على المساهمين منذ أكثر من أربع سنوات». ففي عام 2012 كانت الكلفة الإدارية تبلغ 34.1 مليون دولار، ثم خفضتها الشركة في السنة التالية إلى 28.3 مليون دولار على وقع الانتقادات التي طاولتها من صغار المساهمين، لكنها لم تستطع الحفاظ على هذا المستوى من الإنفاق الإداري، إذ عادت المصاريف إلى 31.1 مليون دولار في 2014، ثم بلغت 33.8 مليون دولار في 2015، وتضخّمت إلى 34.8 مليون دولار في 2016، وها هي ارتفعت أيضاً في 2017. لا بل إن هذا الارتفاع يأتي رغم أن الشركة اتخذت قراراً قبل أكثر من سنتين بتنفيذ خطّة استغناء عن الموظفين. حتى الآن لم تصرف أكثر 30 موظّفاً، لكنها قرّرت أن توظّف آخرين من أنسباء كبار المديرين في الشركة برواتب خيالية وبعقود استشارية، ما يحتّم إعادة النظر بحقيقة الكلفة الإدارية. هذا النمط من التبذير كانت الشركة قد اتبعته في السنوات الماضية، إذ زادت المصاريف الإدارية في 2010 بنسبة 56% لتصبح 38.8 مليون دولار، مقارنة بـ 25.2 مليون دولار في 2009.



المزيد من المؤونات
خصصت «سوليدير» 110 ملايين دولار مؤونات في مواجهة المدفوعات المترتبة عليها نتيجة ضرائب غير مدفوعة وتخلّف المشترين والمستثمرين عن تسديد الأقساط المترتبة عليهم، ما يرفع القيمة التراكمية للمؤونات الإجمالية إلى 217 مليوناً منها 185 مليون دولار مرتبطة بسندات دين وإيجارات غير مسدّدة، و32 مليون دولار لتغطية أكلاف وأعباء أخرى (ضرائب وخلافه). المشكلة أنه في عام 2017 تضاعفت قيمة السندات غير المحصلة، فالرصيد في مطلع السنة كان 70 مليون دولار، ثم بلغ 131 مليوناً في نهايتها، أي بزيادة قيمتها 61 مليون دولار. وهناك خسائر ناتجة من الاستثمارات التي قامت بها الشركة، سواء مع شركة «واتر فرونت» والزيادة الأخيرة النقدية في رأس المال بقيمة 4.4 ملايين دولار، أو الاستثمارات خارج اختصاصها في القطاع السياحي حيث سجّلت خسائر كبيرة بقيمة 2.4 مليون دولار مقارنة بخسائر قيمتها 3.4 ملايين في 2016. ويضاف إلى ذلك أن «سوليدير» لم تسدّد الضرائب المترتبة عليها في وقتها، ما يجعلها عرضة لتسديد غرامات تأخير بالإضافة إلى أصل قيمة الضريبة.