تحت عنوان «تحديات الطاقة والحكومة الجديدة»، وضعت قوى سياسية حزبية وازنة في 8 آذار، ما يمكن تسميتها «خريطة طريق الحفاظ على ثروات لبنان الطبيعية»، وانتهت فيها إلى سؤال مركزي: أي خيار يجب أن نسلك؟وضعت هذه القوى إطاراً للتحديات الكبيرة في مجال المياه والطاقة ستواجه الحكومة العتيدة. ففي قطاع المياه، ليس سراً أن انخفاض المياه الجوفية والتلوث الشامل للأراضي اللبنانية كافة يشكل التحدي الأبرز. بالطبع بناء السدود أحد الخيارات لكن نوعية المياه التي تتجمع في السدود وبخاصة تلك التي تعتمد على تحويل مياه الليطاني، سيُطعن بنظافتها إذا لم نقل أنها ملوثة، ثم ماذا عن مشاريع المجاري الصحية وتكرير المياه الآسنة وهل سترى النور، وخلال أية فترة زمنية وبأي كلفة؟.
وإذا ابتعدنا عن العنتريات، وفي انتظار الخطة المائية الشاملة، سيبقى المواطن يشتري مياه الشرب. أما مياه الخدمة المنزلية فهي مالحة أو ملوثة، زد على ذلك شح مياه الأمطار وتزايد الاستهلاك، وحتى لو تم تنظيف المياه فالكميات لن تكفي. فهل نلجأ إلى تحلية المياه؟ وبأي طاقة: الشمس، الريح أو الغاز وبأي كلفة؟
أما قضية الكهرباء، التي تتأرجح بين الضريبة على القيمة المضافة (قضية معمل دير عمار قبل أن تتم تسويتها بالشراكة بين القطاعين العام والخاص (BOT) والمعامل المتقادمة والمعامل العائمة واستجرار الكهرباء من سوريا وعقدة النقل والتوزيع التي لم تجد حلاً منذ تسعينيات القرن الماضي، يبقى المواطن ضحية التقنين ودفع الفاتورتين. فأي حلول ستستنبط الحكومة؟ وهل خصخصة معامل الإنتاج تحت عنوان BOT أو تحت عنوان الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في الإنتاج هي الحل، ووفق أي دفتر شروط وأية آليات لاختيار الشريك الآتي من القطاع الخاص وأي معايير للشفافية ستعتمد؟ وهل سنرى قطاعاً خاصاً «مؤنسناً» (إذا وُجد) أو قطاعاً خاصاً نهماً كما هي عادة معظم أصحاب الرساميل؟
المواطن بحاجة إلى كهرباء ومستعد أن يدفع لقاء ذلك، ويصح توجيه التهنئة سلفاً لكل مستثمر في قطاع الكهرباء في لبنان، لأنه الرابح المستدام على حساب الدولة والمواطن. فهل في خطة وزير/ة الطاقة أفكار علمية وعملية، حول كيفية حفظ حق الدولة والمواطن؟
بالطبع إنتاج الكهرباء مهم لكن إيصاله إلى المواطن هو الأهم، فهل سيتم تحديث شبكات التوزيع بمشاركة القطاع الخاص ووفق أية شروط.؟ هنا أيضاً يجب عدم التقليل من مداخيل التوزيع. وفي مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإن لكل طرف الحق في جباية فاتورة الكهرباء، فكيف ستعمل الحكومة للجباية لنفسها وليس للقطاع الخاص؟ هل فقط من الضرائب على الأرباح؟ وبالتالي هل يستولي الخاص على بيضة الذهب؟
بالطبع لا يمكن الكلام عن إنتاج الكهرباء من دون الكلام عن كيفية إنتاجه: الغاز الطبيعي، الطاقة المتجددة (الصحيحة وليس فقط للإعلام). لقد أعلنت الحكومة الحالية عن موافقتها على استجرار الغاز الطبيعي لانتاج الكهرباء في معملي دير عمار والزهراني الموجودين فعلياً ومعمل سلعاتا الوهمي، على رغم تأكيد الخبراء المستقلين كما خبراء البنك الدولي عدم جدوى إنشاء محطة استقبال للغاز في سلعاتا، لأنه يمكن استجرار الغاز من محطة دير عمار بواسطة أنبوب بكلفة بسيطة مقارنة بكلفة محطة الاستقبال. كما ينصح هؤلاء الخبراء، أنه بدل صرف الأموال الطائلة على محطة الغاز في سلعاتا، فمن الصحي والفعال صرف قسم من هذه الأموال لتشجيع إنشاء مزارع للطاقة المتجددة شمسية كانت أم رياح. أما استجرار الغاز الطبيعي المسيل، فدولة كلبنان إذا اشترت الغاز فسيكون لسنوات مع فاتورة سنوية بمئات ملايين الدولارات تتغير وفق الإنتاج وممكن أن تتراوح من حوالي مليار دولار إلى مليارين وفق الاستهلاك الحالي. واتفاقية مع مورد لعشر سنوات ستترجم من 10 إلى 20 مليار دولار. إنه مبلغ ضخم أكثر بكثير مما يمكن أن تستوفيه الدولة اللبنانية في ضوء العجز الحالي في المالية العامة. فكيف سيتم اختيار الموردين ووفق أية معايير وأية شفافية؟ وهل سيتم استجرار الغاز وفق سوق الشرق الأوسط الذي يتراوح في مصر وفلسطين المحتلة بين 4 إلى 6 دولارات للمليون وحدة حرارية أو من 10 إلى 14 دولاراً كما يتم تداوله في السوق اللبنانية.
بكل الأحوال، الخطوات التي أنجزت حتى الآن في مجال استجرار الغاز، بعيدة كل البعد عن الوضوح، فلقد تم تأهيل شركات وتجمع شركات أجنبية/ لبنانية وفق شروط ينقصها الوضوح ولم نر أي مجتمع مدني يطالب بالشفافية في هذا الموضوع العام، فهل بسبب وجود القطاع الخاص اللبناني الممكن أن يكون محسوباً على هذا أو ذاك؟.
هذا في الداخل. أما التحديات الآتية من وراء الحدود، فتراها القوى السياسية المعنية كثيرة، وأهمها الإجابة على أسئلة محورية أبرزها، أين لبنان من مشاريع الأنابيب الإقليمية وأين الرؤية؟ وهل سنبقى متفرجين كما هي الحال الآن وبذلك لا نستفيد من هذه الفرص؟ ولكي نجني ثمار الطاقة بعد عشرين عاماً علينا غرس شجرة الآن!. فهل سيكون للبنان كلمة بأنبوب البترول العراقي الذاهب إلى العقبة والتفكير بتحويل قسم منه إلى مرفأ الزهراني للتصدير وللسوق الداخلية وإحياء المصفاة؟ ويكفي أن نتصور حجم الوظائف الممكن أن تخلق والإيرادات التي يمكن للدولة أن تعاود استيفائها بعد توقف منذ السبعينيات عندما كان خط التابلاين بكامل عمله (مسار هذا الخط إلى لبنان عبر سوريا أصبح آمناً الآن)، وأين لبنان من خط غاز شمال العراق للاستهلاك الداخلي وذلك بأسعار لا تتعدى 4 أو 5 دولارات؟، فأنبوب الشمال الواصل لدير عمار منذ أكثر من عشر سنوات في نطاق خط الغاز العربي ما زالت حالته جيدة والخطوط بين العراق وسوريا التي أصبحت آمنة تتطلب تصليحات وإنشاء الوصلات التي تتطلب استثمارات ممكن استردادها سريعاً نتيجة دينامكية الاستهلاك اللبناني. بالطبع ليس المطلوب التنفيذ الآن، لكن المطلوب رؤية واستراتيجية للتنفيذ، أي بكلمة واحدة وضع وتظهير السياسة الطاقوية للبنان للسنوات المقبلة.
لبنان سيشتري الغاز لسنوات بفاتورة سنوية تتراوح بين مليار دولار ومليارين وفق الاستهلاك الحالي


ومن الأسئلة الأساسية، هل تنوي الحكومة إعادة بناء المصافي اعتماداً على النفط العراقي أو السوري في البداية ثم النفط المستخرج في لبنان لاحقاً لتزويد السوق الداخلية المستهلكة بكثرة للنفط ولتصدير المشتقات النفطية مما يؤمن وظائف عمل وينشّط الدورة الاقتصادية في شمال وجنوب لبنان؟، وأين التعاون مع مصر للتنقيب واستجرار الغاز من خلال استعمال الخط العربي العابر للأردن وسوريا والواصل إلى لبنان الشمالي وبناء تعاون استراتيجي والذي لا يمكن أن يكون إلا لمصلحة لبنان بخاصة في وجه التحديات الإسرائيلية؟.
وأين لبنان من التعاون مع تركيا في مجال الصناعات الكيميائية وبناء المصافي بخاصة أن تركيا ذات السوق العملاقة باستهلاك الغاز ولتأمين بيع الغاز اللبناني لاحقاً إلى تركيا وعبرها إلى أوروبا وذلك لمواجهة عدم وضوح الموقف القبرصي المدعوم يونانياً وإسرائيلياً خصوصاً لجهة نقل الغاز إلى أوروبا عبر المتوسط إلى قبرص واليونان فأوروبا والذي لا مهرب منه لأنه سيفرض على لبنان إذا أراد التصدير لاحقاً إلى أوروبا، والذي من دون تعاون لبنان لا يمكن أن يرى هذا الخط النور؟.
تخلص القوى السياسية الوازنة في 8 آذار إلى القول، بالطبع هناك تحديات جمة تشمل التنقيب بالبر والبحر ودور لبنان كقطاع خاص أو عام وإدارة الموارد المالية الناتجة من قطاع النفط والغاز، ولا ننسى التحدي الضخم القادم من وراء الحدود البحرية الجنوبية حيث ينوي العدو الإسرائيلي إنتاج الغاز على بعد مئات الأمتار من الحدود اللبنانية، فما هي خطة العمل لمواجهة هذا الواقع الآتي؟