لام البعض «الأخبار» على ما جاء في مقال «لا مناطق خالية من التلوّث: وداعاً للسباحة!» (الجمعة 1 حزيران 2018)، وما تضمّنه من «تخويف» للناس، بالجزم أنه لا يمكن تحديد أماكن خالية من التلوث على الشاطئ اللبناني. واحتجّ هؤلاء بالخشية على السياحة حين تكون هذه هي الصورة التي نقدمها عن لبنان وبحره. آخرون استندوا الى دراسات تشير الى خلو بعض المواقع البعيدة عن مصبّات مياه الصرف الصحي والصناعات من التلوث. ولفتوا الى أن التيارات البحرية يمكنها أن تساهم في تفكيك وتشتيت مياه الصرف الصحي، العضوية بطبيعتها، وبالتالي التقليل من آثارها الضارة.
الا أن ما لم ينتبه له هؤلاء، وما دفعنا الى الاستنتاج المتشائم، أن التلوّث الناجم عن مياه مجاري الصرف التي تصب في البحر (وفي الوديان والأنهار)، ليس عضوياً وبكتريولوجياً فقط، حتى يتفكّك ويتشتت ويضمحل أثره الضار. لدى اعتماد الدراسات المقارنة مع الدراسات الغربية أو اعتماد المعايير الاوروبية للتقييم والقياس، ينبغي الالتفات دائماً الى أن انظمة المعالجة في البلدان التي تعتمد إنشاء شبكات خاصة ومحطات معالجة للمياه المبتذلة، تعالج مياه الصرف فقط وتفصلها تماما عن مياه النفايات الصناعية السائلة. اما في لبنان، فلا تعالج النفايات الصناعية السائلة، بل تُحوّل الى شبكات مياه الصرف او الى اقنية مكشوفة لتعود وتصب في الانهر او في البحر مباشرة. وتضاف اليها مياه غسيل محطات المحروقات مع الزيوت والشحوم وبقايا الفرامل والإطارات... وهذه كلها، أيضاً، تذهب في مجاري الصرف (وتنتهي في البحر) من دون معالجة خاصة. ناهيك عن حبيبات البلاستيك الناجمة عن غسيل الملابس في الغسالات، غير القابلة للتفكك، وكذلك الكيميائيات المستخدمة في مواد التنظيف المنزلية وهي مواد لا تصنف عضوية، ولا قابلة للتفكك... بل تحتوي مواد كيميائية ومعادن ثقيلة، لها تأثيرها الخطر على التربة والمياه والثروات البحرية وعلى نوعية مياه السباحة.
ليس في لبنان، وربما في العالم كله، مراكز ابحاث، يمكنها أخذ عينات على مدار السنة من أماكن مختلفة، او القيام بكل انواع الابحاث والاختبارات، على المياه العذبة او على مياه البحار، لا سيما أن المواد الكيميائية باتت كثيرة جدا، ويصعب رصدها والتأكد من حجمها وبالتالي مخاطرها، لا سيما بعد ترسبها وتركزها في الكائنات البحرية كافة.
كما لا يمكن الاستنتاج بأن بلداناً اخرى في العالم، لا سيما الأكثر تقدما، حلّت مشاكلها البيئية، وما علينا الا الامتثال بها. فتلك البلدان لديها محطات لمعالجة مياه الصرف تتكلف كثيرا على معالجتها. والملوثات التي نتحدث عنها تتراوح تقنية معالجتها بين 300 دولار للطن، كمعالجة أولية، و2838 دولاراً للطن كأفضل تقنية حتى الان. ولا نظن أن أحدا يدفع هذه الاكلاف العالية في المعالجة، حتى في الدول الغنية والمتقدمة.
كما يفترض أن لا يُفهم التحذير من السباحة في البحر تشجيعاً غير مباشر على ارتياد المسابح الخاصة. فهذه المسابح غير المراقبة رسميا ايضا، تشكو من مشاكل اضافية لا تقل خطورة، بينها عدم مراقبة حجم مادة الكلور التي تضاف الى مياه المسابح فيها ودقة معاييرها وكيفية تغييرها واحترام الكميات والمهل الزمنية... بالقياس الى عدد السباحين.
انطلاقا من ذلك، يفترض أن يصبح السؤال «بماذا نسبح؟» وليس «اين نسبح؟»، كون عملية الجزم بوجود أماكن خالية من التلوث بات ضربا من الخيال.