من شبّ على شيء شاب عليه. حفلة التحريض العلنية التي تخوضها القوات اللبنانية في واشنطن هذه الأيام تشبه، الى حد كبير، حملة دس الدسائس الصامتة التي مارستها في الرياض عشية الانقلاب على الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني الماضي: تحريض على رئيس الجمهورية ميشال عون وعلى رئيس الحكومة المكلف وعلى الجيش، ناهيك عن حزب الله وسلاحه.انتهى الرهان على الانقلاب السعودي على الحريري إلى الاخفاق. فانتقل سمير جعجع الى الرهان على جبهة يمكن أن تتشكّل بعد الانتخابات النيابية في وجه العهد قوامها رئيس مجلس النواب نبيه بري، مستفيداً من توتر العلاقة بين الأخير ورئيس الجمهورية. تهدئة ما بعد الانتخابات على جبهة بعبدا ـــ عين التينة، وخروج القوات من «مولد» انتخابات هيئة مكتب المجلس «بلا حمّص»، خيّبا آمال معراب التي تسعى جاهدة لتقريش تمثيلها النيابي في الحكومة المقبلة.
إذاً، إلى واشنطن مجدداً، حيث «على الادارة الاميركية وحلفائها الضغط على الحريري للعودة الى الالتزام بسياسة لبنان أولاً والعمل مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على بناء لبنان أكثر أمناً وازدهاراً»، على ما جاء في رسالة وجهها رئيس مقاطعة أميركا الشمالية في القوات اللبنانية جوزف الجبيلي الى أعضاء في الكونغرس الأميركي في 25 أيار الماضي.
الحريري خاضع لضغوط التحالف الذي يقوده عون والجماعات التابعة لحزب الله


الجبيلي الذي يرأس ما يسمّى «المركز اللبناني للمعلومات في واشنطن»، هو أحد أذرع الفريق الأمني القواتي الذي توزّع بين الولايات المتحدة واستراليا بعد حل حزب القوات عام 1994. وتربطه علاقات وثيقة بعتاة المحافظين الجدد، وأبرزهم جون بولتون «الشجاع في وجه قوى الشر بمن فيهم الارهابيون الايرانيون» على ما وصفه بيان لـ«المركز»، عقب تعيينه مستشاراً للأمن القومي الأميركي في نيسان الماضي.
الرسالة وصفت القوات اللبنانية بأنها بين «الرابحين الكبار» في الانتخابات الأخيرة، بعدما تمكّنت من «مضاعفة عدد نوابها من ثمانية الى 15 بعد حملة انتخابية ركّزت فيها على سيادة الدولة وسلطتها الحصرية باستخدام القوة على أراضيها وعلى اعتماد الشفافية ومكافحة الفساد». لكنها «رغم هذا الفوز، وربما بسببه، تواجه تحديات هائلة بعد تصويت كتلة الرئيس ميشال عون مع أنصار ايران ونظام الأسد على استبعاد نواب القوات اللبنانية من لعب أي دور قيادي في مجلس النواب لمنعهم من تنفيذ برنامجهم نحو استعادة سيادة الدولة».
ونبّهت الرسالة من «عقبات مماثلة» تعترض تشكيل الحكومة. إذ «يبدو الحريري خاضعاً لضغوط التحالف الذي يقوده عون عبر صهره جبران باسيل، ولضغوط الجماعات التابعة لحزب الله من أجل استبعاد حزب القوات اللبنانية عن تسلّم أي حقيبة وزارية مهمة». ولأن «لبنان مقبل على مرحلة جديدة يتوجّب فيها على الحكومة المقبلة استعادة سيادة الدولة ونزع سلاح الميليشيات ومحاربة الفساد وفرض تطبيق سلطة الدولة على كل مواطنيها بالتساوي، على المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، لعب دور فاعل لضمان تحقيق الحكومة هذه الأهداف».
وتربط الجبيلي علاقات وثيقة بصقور الادارة الأميركية كوزير الخارجية الجديد مايك بومبيو منذ كان الأخير عضواً في الكونغرس عن ولاية كنساس. وجاءت رسالته بعد يومين من مثول بومبيو أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ودعوته الى إعادة النظر في المساعدات الأميركية للجيش اللبناني بعد فوز حزب الله في الانتخابات النيابية الشهر الماضي.

مهمة الحكومة المقبلة استعادة سيادة الدولة ونزع سلاح الميليشيات وعلى واشنطن ضمان ذلك


وقد أبلغ الجبيلي موقع «المونيتور» الأميركي، في 23 أيار الماضي، بأنه «في حين كان الجيش اللبناني فعالاً في المحافظة على أمن لبنان، هناك حاجة الى هذه المراجعة بعد فشله في نزع سلاح حزب الله». وأضاف: «دافع الضرائب الأميركي يسأل: هل مساعدتي للجيش اللبناني تساهم في نزع سلاح حزب الله؟ بالطبع لا. لذا علينا مراجعة أهداف هذه المساعدة لتتلاءم مع ما يتم تحقيقه. إذا كان الهدف نزع سلاح حزب الله، علينا أن نرى كيف يجري ذلك»! وأثنى المسؤول القواتي على مواقف بومبيو الصارمة من حزب الله وايران، مؤكداً أن الأخير «مع دعم الجيش اللبناني وتقوية مؤسسات الدولة اللبنانية، ولكن بالطبع مع هدف أساسي هو إضعاف حزب الله».