يخيّل لأيّ لبناني متابع، عن بعد، لملف الكهرباء أن هنالك وزارة أو وزراء يعملون ليل نهار لإيجاد الحلول الأنسب لمشكلة الكهرباء.يخيل له أن الوزارة لديها فريق عمل مختص يتطلع ويفاوض ويناقش ويُعِدّ الدراسات المبنية على الأرقام الفعلية والخطط الهندسية المستقبلية.
هكذا كنت أعتقد، فعلاً، قبل عودتي أخيراً إلى لبنان. ولكن الحقيقة غير ذلك. في الوزارة «ما في حدا»، وفي مجلس الوزراء، «لا تنده كمان ما في حدا».
مجلس الوزراء يناقش مواضيعه كحلقة تلفزيونية مباشرة. وكما أقر عدد من الوزراء في أكثر من مناسبة، لا يوزع المجلس المواد والتقارير على الوزراء قبل الجلسة لدراستها.. بل هم يتنافسون داخل الجلسة على لا تقرير ولا دراسة علمية!
صدقوا أو لا تصدقوا: من يتخذون القرارات باسمكم ليسوا ضليعين سوى بمواضيع السرقة والالتفاف على القوانين.
حينما يقول وزير الطاقة ما معناه أنه يجب عدم الذهاب الى دائرة المناقصات... فهل هو يعلم حقاً عمّ يتكلم، أو أنه ارتضى ذلك فقط التزاماً بقرار المجلس، وهل من استخفاف أكثر بعقول الشعب؟
معاليك، كل الوزارات ملزمة بالمرور بدائرة المناقصات. أما إذا كنت تقصد مؤسسة كهرباء لبنان (لها نظام مالي خاص) فكان الأجدى بالمؤسسة العامة المستقلة إطلاق المناقصة حصراً بعد موافقة وزيري الوصاية فقط... فلماذا التضليل؟
أما وأنك قد أطلقت استدراج العروض الأول والثاني... فأسألك: هل قرأت دفتر الشروط الأول؟ إنه أشبه بمسودة أوراق لمهندس هاوٍ في الكتابة (خصائص الفيول خطأ، كأبسط مثال). لماذا لم تكلف الوزارة استشارياً عالمياً لهذه المناقصة، وكلفته فقط في منتصف الطريق، ليأتيها بالنتيجة المطلوبة؟
لماذا التخبط بدراسة العروض وتشكيل لجنة دراسة... مرة تكون من داخل الوزارة، ومرة نرسلها الى كهرباء لبنان...
معالي الوزير... كفى كل هذا التضليل،
في المرة الثانية، لماذا كان الإصرار على الكفالة المالية الكبيرة، حصر مهل التنفيذ، ومعادلة التقييم غير المنطقية؟ لماذا عدم توفير الأراضي على كثرتها؟ لماذا الإصرار على النفط الأسود؟ لماذا تجاهل ملاحظات رئيس دائرة المناقصات بالنقاط الأساسية والمهمة؟
هل لأن الدفتر مفصل على قياس لغة واحدة؟
أكثر من ذلك، لماذا الضغط في سبيل تغيير القرار التمهيدي لمجلس شورى الدولة؟ ولماذا النجاح في ذلك في فترة الانتخابات؟
ما حصل في آخر جلسة لمجلس الوزراء معيب بحقكم، ويجب أن يعرّضكم للمساءلة (على أمل أن يعتبر المدعي العام المالي هذا النص كإخبار يتحرك على أساسه).
كفى تضليلاً معالي الوزير، فمن يوفر فجأةً ما يقارب النصف مليار دولار على خزينة الدولة في السنوات الثلاث المقبلة، ألا يُسأل عن هذه الملايين المهدورة في السنوات السابقة؟
أعلم أن السعر الجديد إذا ثبت على ٤٦$/ ميغاوات مع إضافة ٢٠٠ ميغاوات مجاناً، هو سعر جيد وممتاز، لكن من غير الطبيعي اعتبار سعر السنوات الخمس الأولى كأنه لم يكن... كان الأجدى بكم صرف الشركة التركية مثلاً وأخذ حقكم باستملاك البواخر الموجودة في لبنان وتشغيلها كما بأسعار معملي الذوق والجية... أنتم دفعتم لهذه الشركة كلفة صناعة الباخرتين ليتملكوهما!
للبنانيين أقول: لا تصدقوا أبداً هذه الكذبة الكبيرة التي اسمها مجلس الوزراء.