على غير عادة، أطلق المدير العام للتربية فادي يرق، عوضاً عن الوزير، صفارة انطلاق الامتحانات الرسمية. حرصت كلماته التطمينية، أمس، على كسر حاجز خوف المتعلمين، إذ وعد باستحقاق جدي، هادئ وعادل. فمراكز الامتحانات لن تكون، كما قال، أماكن رعب لكنها لن تتحول أيضاً إلى مقرات غش وفلتان في الوقت نفسه، والهاجس هو الحفاظ على مستوى الشهادة الرسمية اللبنانية مقابل غزو البكالوريات الأجنبية. لكن العبرة في ضبط قاعات الامتحانات والأهم من كشف الغش وصول التحقيقات إلى خواتيمها ومحاسبة القضاء للمرتكبين من التلامذة والمعلمين على السواء، وهو أمر لم يحصل إلاّ نادراً على مر تاريخ الامتحانات، على رغم صدور قرارات بحق كثيرين عن هيئة التفتيش المركزي. وكان هؤلاء يتابعون دراساتهم الجامعية بلا أي عقاب. فهل سيكون هذا العام مختلفاً؟يرق كرر أكثر من مرّة بأن إدارة الامتحانات هي تربوية بالدرجة الأولى قبل أن تكون لوجستية وإدارية. تحدث عن جديد يتعلق بوضع أسس التصحيح (الباريم) لجهة تطوير آليات التدقيق في توزيع العلامة على محاور السؤال، أو لناحية تلبية مقتضيات المنهج وأصول التقويم، ودراسة الوقت الصحيح المخصص للمسابقة الواحدة، وهو بالمناسبة مطلب اساسي ومثار شكاوى الطلاب سنوياً. لكن لم نعرف حقيقةً ما إذا كان تغيير أصاب فعلاً نمط المسابقات على مستوى المضمون وما إذا كان تقويم المهارات والمكتسبات لدى الطلاب سيكون بنائياً فعلاً، كما قال المدير العام في مؤتمره الصحافي. وهل الأسئلة ستكون كالعادة «طابشة» لمصلحة المخزون المعرفي والحفظ والتذكر وتحصيل التلميذ للمعلومات على حساب قياس كفاياته وتنمية المواقف والاتجاهات لديه من تنويع المصادر وإغناء الشخصية بالبحث والتعلم الذاتي (طريقة التفكير، القدرة على الاستنتاج، الربط والتحليل)، لا سيما أنه نادراً ما يطلب من التلميذ إبداء رأي أو اقتراح حل؟ وهل سيشهد المرشحون نماذج أسئلة بعيدة عن الرتابة مختلفة عن تلك التي باتوا منمّطين عليها لدرجة أنهم يحفظون الأجوبة عن الأسئلة بما فيها تلك التي تعتمد التحليل أو الأعمال المخبرية؟ وكيف يمكن التأكد من الربط بين الأسئلة وأهداف المنهج في ظل غياب مرجعية تسمح بمقاربة النتائج؟
هل مقرر اللجنة الفاحصة مهنة مدى الحياة؟


أما السؤال الذي يتكرر مع كل استحقاق فهو: هل منصب مقرر لجنة فاحصة في الامتحانات الرسمية هو مهنة مدى الحياة؟ وكيف يمكن أن يبقى شخص واحد على رأس لجنة مادة من المواد التعليمية كل هذه السنوات ولماذا لا يصار إلى تبديل الأشخاص وإعطاء فرص أكبر لغير المحظيين سياسياً وطائفياً؟ وما هي الإغراءات في أن يكون الأستاذ عضواً في لجنة للامتحانات الرسمية؟ وهل هو أمر صحي أن يقول أعضاء في لجان إنّ الامتحانات لا يمكن أن تسير من دونهم؟
هذا العام، بدا لافتاً أن يطلب التعليم الخاص توسيع تمثيله في الامتحانات الرسمية على خلفية أن القطاع يضم 70% من تلامذة لبنان. وسأل رئيس نقابة المعلمين رودولف عبود: ما المانع أن يكون مقرر اللجنة من القطاع الخاص مشيراً إلى أنّ لا مانع لدى المدير العام رئيس اللجان الفاحصة في ذلك، إلاّ أن القوانين النافذة تحول دون ذلك، فالأستاذ في التعليم الخاص لا يستطيع أن يترأس مركز امتحانات أو يشارك في أعمال المراقبة. إلاّ أنه حاضر في عضوية لجان وضع الأسئلة والتصحيح.
الوزارة لا تزال تعتمد غرفة العمليات لتلقي الشكاوى التي استحدثتها عام 2009 بإيعاز من اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة والتي لم ترصد على مدى السنوات الماضية شكاوى حقيقية تعكس ما كان القطاع الخاص يتحجّج به لفرض هيمنته على الامتحانات.