550 ألف ليرة لبنانية قيمة البدل الذي فرضته الدولة على الاشتراك السنوي في الجريدة الرسمية الإلكترونية. هذا البدل يُناقض روحية قانون حق الوصول إلى المعلومات، ويجعل من الدولة شركة خاصة تقوم ببيع المعرفة القانونية! وهو لم يضرب مبدأ مجانية الوصول إلى المعلومات فحسب، بل أفرغ خطوة نشر المعرفة القانونية من مضمونها، عبر حصر الجهات التي تستطيع الوصول إليها، وعبر تحويل الدولة الى دار نشر تبيع المعلومة كسلعة لمن يستطيع الدفع.ولعلّ البُعد الأخطر هو ما نبّهت اليه «المُفكّرة القانونية»، قبل يومين، من تحوّل مبدأ حق الوصول الى المعلومات إلى «احتكار معرفي بيد طبقة محصورة من الأفراد والشركات التي ترى في منع نشر الثقافة الحقوقية وسيلة فعّالة لتأمين مصالحها».
ومنذ نهاية عام 2005 كانت الجريدة الرسمية مُتاحة بشكل مجاني على موقع رئاسة مجلس الوزراء، فيما كانت كلفة الاشتراك السنوي في النسخة الورقية 240 ألف ليرة لبنانية.
في اتصال مع «الأخبار»، اعتبر الوزير السابق زياد بارود أن البدل المفروض يكون منطقياً «إذا وصلت أعداد الجريدة الرسمية الورقية الى مكاتب المُشتركين ومنازلهم. ولكن في حال النشر الإلكتروني، فإنّ كلفة الطباعة والتوصيل غير موجودة، وبالتالي لا يغدو هذا البدل منطقياً». ولفت إلى أن الجريدة الرسمية هي عبارة عن مساحة لتخزين معلومات عامّة يجب أن تكون في متناول العامة، «فالطعن بأي مرسوم يكون بناءً على تاريخ نشره في الجريدة الرسمية» التي تحتوي على عدّة أبواب: القوانين الصادرة عن مجلس النواب، المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء، المراسيم والقرارات الصادرة عن الوزارات، والإعلانات.
ويؤكد بارود أن فرض بدل مُرتفع على نشر المعلومات القانونية الرسمية يضرب روحية قانون الحق في الوصول الى المعلومات الذي ينص بشكل صريح، على أنّ الوصول الى المُستندات الإدارية يتمّ مجاناً في مكان وجودها، «وإذا كان المستند الإداري الذي لا يتم نشره أصلاً يمكن الاطلاع عليه بشكل مجاني، فكم بالحري القوانين والمراسيم التي يتم نشرها دون نفقات طباعة، أي عبر المواقع الإلكترونية التابعة لمؤسسات الدولة؟» على حدّ تعبير «المُفكّرة القانونية». ولفتت الى أنه «عوض أن يكون القانون سلاحاً فعالاً بيد المواطنين، أصبح سلعة تبيعها الدولة لمن يستطيع الدفع».
البدل يمكّن طبقة محصورة من الأفراد والشركات من منع نشر الثقافة الحقوقية لتأمين مصالحها


ووضعت «المُفكّرة» جملة من المُلاحظات الأولية، أبرزها أنّ سعر الاشتراك السنوي في الجريدة الإلكترونية يفوق بكثير سعر الاشتراك السنوي بالنسخة الورقية، ما يدفع المُشتركين الى الحصول على النسخة الورقية بدل دفع رسم مُضاعف، مُشيرةً إلى أنّ «الحدّ من هدر الورق بات من دون جدوى».
ثمّة إشكالية أُخرى تُثيرها مسألة البدل المادي، وهي أنّ المرسوم 2420 الذي حدّد بدل الاشتراك بـ 550 ألف ليرة أشار الى أن هذا المبلغ هو «بدل الاشتراك الواحد»، في حين أنّ الموقع الإلكتروني الذي تم استحداثه «يتكلّم عن الاشتراك السنوي، أي ضرورة تجديد الاشتراك سنوياً». وتساءلت «المُفكّرة»: «ما هو المقصود بكلمة الاشتراك الواحد؟ هل يعني ذلك الاشتراك الواحد عن كل سنة، أو أن الاشتراك هو دائم يتم دفعه مرة واحدة فقط من قبل جهة واحدة؟»، مُعتبرة أن هذه الإشكالية تحتاج الى توضيحات من قبل المعنيين.