لم تنم قرى بعلبك ــــ الهرمل، ليل السبت – الأحد، بسكينة كما هي العادة في هذه المنطقة النائية عن الزحمة والمعارك الانتخابية. صعود أهالي المنطقة المنتشرين في مدن الساحل بهدف التصويت للوائح الخمس المرشّحة في الدائرة لم يكن السبب الوحيد في الحركة غير المسبوقة في المحافظة. وعرفت الساعات الأخيرة قبل المعركة انتشار شائعات عن انسحاب مرشّحين على اللائحتين المتنافستين بشكل بارز: «الأمل والوفاء» و«الكرامة والإنماء».
القرى المسيحية: إنها المرة الأولى
القرى ذات الغالبية المسيحية في الدائرة شهدت تهافتاً غير مسبوق منذ زمن على التصويت، وكان وقت «الذروة» موافقاً لمواعيد القداديس قبل ظهر الأحد أو للساعات الأخيرة قبل إقفال صناديق الاقتراع. مقترعون كثر لم يزوروا قراهم منذ سنوات، حضروا بعدما أتاح القانون النسبي للتصويت المسيحي التأثير في نتيجة الاقتراع على المقعد الماروني الوحيد في الدائرة الذي تنافس عليه النائب إميل رحمة (الأمل والوفاء) والمرشّح أنطوان حبشي (الكرامة والإنماء) التي يرأسها النائب السابق يحيى شمص. تنافس رحمة وحبشي، لم يكن تنافساً بين عائلتين مارونيتين كبيرتين في منطقة دير الأحمر، بل بين حزب الله والقوات اللبنانية كخطين سياسيين، وترجمته على أرض الواقع كانت في محاولة رفع الحاصل الانتخابي الذي تخطّى 16 ألفاً.
في قرية بوداي مركز ثقل آل شمص انقسم الأهالي بين لائحة المقاومة و«ابن العائلة» (هيثم الموسوي)

«ما خص العائلة والمنطقة، أنطوان مرشّح يشبهنا»، بهذه الكلمات عبّر أحد المقترعين عن المعركة الدائرة خارج قلم الاقتراع. الحماسة البالغة التي شهدتها دير الأحمر انخفضت نسبياً في باقي القرى المسيحية من غير أن تنخفض نسبة التصويت التي فاقت لدى الموارنة على وجه التحديد 60 في المئة. في الدير وجوارها لم تهدأ المسيرات الجوالة ومكبرات الصوت التي صدحت بأناشيد القوات منذ ما قبل يوم الانتخاب وحتى ساعات متأخرة من ليل أمس. صور المرشّح حبشي ابن بلدة الزرازير غطّت شوارع دير الأحمر والسيارات والمباني، وبدت المعركة «مصيريّة» بالنسبة للأهالي، أما نسبة التصويت فارتفعت بشكل كبير مقارنة بالدورات السابقة وكانت تخطّت 60 في المئة في بعض الأقلام حتى قبل حلول المساء. أما في قرى رأس بعلبك والفاكهة والجديدة والقاع فكان حضور التيار الوطني الحرّ أكبر، وبينما جالت المرشّحة عن المقعد الماروني على لائحة «المستقلة» ساندريلا مرهج على قرى شمال بعلبك والتقطت الصور إلى جانب مؤيديها، كان المرشّح عن مقعد الروم الكاثوليك على لائحة «الكرامة والإنماء» سليم كلاس يحصد أصوات بلدته الفاكهة التي فضلت منحه أصواتها التفضيلية «لأنه إبن البلدة وأول مرشح عنها».

«مش كلّه بيردّ شمص»
في قرية بوداي التي تضم حضوراً كبيراً لعائلة شمص بين قرى غربي بعلبك، انقسمت المسيرات السيّارة ومكبرات الصوت والأعلام والصور المنتشرة على طرفي الطريق بين مؤيدي المرشح شمص ومؤيدي لائحة حزب الله. تميّزت «بودا»، كما يلفظ اسمها الأهالي، عن سواها من القرى المحيطة بها بأن ضمّت مؤيدين من اللائحتين الأبرز. هنا كان المشهد الانتخابي غير «موحّد» وله نكهة خاصة. بين يحيى شمص ابن العائلة ومرشّحي حزب الله وحركة أمل من جهة ثانية انقسم الأهالي بدورهم. في هذه القرية الهادئة عادة، جلس في فيء إحدى الشجرات ثمانيني من سكان بيروت جاء إلى القرية للتصويت للائحة «الأمل والوفاء»، لأن «السيد نصرلله بيمون عالدم». وبينما يهندس كوفية يعتمرها يتفقّد بين يديه مذياعاً من الطراز القديم، ويختصر بكلماته المعركة كما يراها: «لن أصوّت لإسرائيل ولمن حمّلونا ديناً عاماً يفوق الثمانين مليار ليرة، إيه صوتي التفضيلي للمقاومة». بينما اتجه قسم من أبناء عشيرة شمص لمنح صوتهم التفضيلي للمرشّح شمص «لأنه ابن العائلة ويقدّم الخدمات ونراه كلّ أيام السنة». إلى جانب الطريق انتظرت الحاجة المتشحة بالسواد وبين يديها تحمل الورود لتزفّ بها المارة نهاية اليوم الطويل، والورود ليست لمرشّح معيّن قد يمرّ في أي لحظة بل لأنها تريد أن تحتفل بالنصر «لعيون السيد».
في منطقة دير الأحمر حضر مقترعون لم يزوروا قراهم منذ زمن طويل


هنا في القرى المنتشرة على خط حدث بعلبك – شليفا، كان الصوت التفضيلي كما أرادته ماكينة المقاومة للمرشّح عن المقعد الشيعي في الدائرة علي المقداد. على طول الطريق إلى متوسطة فلاوى الرسمية انتشرت الأعلام الصفراء وصور السيد حسن نصرلله إلى جانب شهداء المقاومة. في فلاوى كما سواها من القرى ذات الغالبية الشيعيّة في بعلبك كان حضور مندوبي لائحة «الأمل والوفاء» طاغياً، بينما غاب مندوبو باقي اللوائح. أمام أقلام الاقتراع احتشد المقترعون في انتظار دورهم الذي تأخّر، وبالرغم من انقسام الأقلام داخل المراكز بين النساء والرجال وقف الجميع في الصفوف بانتظار دوره.
حضور المرشّح يحيى شمص لم يكن بقليل في بلدات الهرمل أيضاً، لكن على عكس المقولة الشهيرة في بعلبك «كلّه بيرد شمص»، كان حضور حزب الله هو الأبرز في المدينة. والمشهد تختصره إحدى العائلات من آل شمص حيث الوالدة تتمسّك بالتصويت «لإبن العيلة» فيما الأبناء سيمنحون صوتهم للائحة المقاومة.