خذلت عكار كثيرين راهنوا عليها أمس. أين الناخبون؟ كيف يمكن حثّهم على المشاركة في الانتخابات؟ أين هي الحشود الشعبية التي كانت تهلل لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري خلال جولته الأخيرة قبل أسبوع؟ أين الجمهور الذي ضاقت به الطرق العامة والفرعية خلال إعلان اللواء أشرف ريفي لائحته في بلدة ببنين العكارية؟ أين الناخب العلوي الذي يعوّل عليه للمرة الأولى لاختيار ممثله في ظل القانون النسبي؟ لم تكد تبلغ الساعة الثامنة والنصف صباحاً، حتى كانت بلدة فنيدق متأهبة بشيبها وشبابها لنصرة سعد الحريري، ولإعلان الدعم والتأييد لمرشح البلدة وليد البعريني. تجلس عائشة (87 عاماً) بجوار شقيقتها آسية زكريا على أحد المقاعد الخشبية في مدرسة المقاصد في بلدة فنيدق العكارية النائية في جرد القيطع. تريد الشقيقتان متابعة كل ما يجري والتأكد من أن أصوات النسوة قد صبّت بمعظمها لمرشح البلدة وليد البعريني. تنتهي مهمتهما. تسند إحداهما الأخرى وتنزلان، كل على عكازها، الى الباحة الخارجية. هناك ينتخب الرجال في المبنى المجاور للمدرسة. لحظات ويدخل مفتي عكار الشيخ زيد بكّار زكريا ورئيس اتحاد بلديات جرد القيطع عبد الإله زكريا للإدلاء بصوتيهما. تلاقيهما السيدتان ومن حضر بنثر الورود.
هي بلدة فنيدق برمزيتها، قد شكلت رمز قوى الثامن آذار على مدى سنوات، وهي بلدة المفتي زكريا، وعرين رئيس الاتحاد للمرة الثانية على التوالي، وهي أيضاً مسقط رأس الابن (وليد) الذي قتل والده في السياسة وأنهى إرث العائلة (البعريني).
لا يمكن نكران شعبية وليد البعريني، وهذا واضح من كثافة الصور التي لم توفر شرفة أو منزلاً أو عمود كهرباء، أو ساحة. للرجل خدمات أضيفت الى إرث العائلة الذي ورثه عن والده وجده. فوّضه والده الأعمال والتجارة، وشؤون العائلة والبلدة. لو بقي وليد البعريني ضمن المساحة التي كان يأمل كثيرون أن تكون إلى جانب كل رموز 8 آذار، لما كان المشهد الأزرق على ما هو عليه. قرر وليد أن لا يبقى تحت جناح والده، فكانت المجزرة.
لا يسألون سوى عن وليد البعريني، بالرغم من أن الأخير لم يدفع في يوم الانتخابات


«لن ينال البعريني الأب أكثر من ألف صوت تفضيلي في كل فنيدق». يردّد شاب في باحة المدرسة. يضع صورة وليد البعريني على الـ«تي شرت». لا يستثنى أحد في فنيدق. كل من بلغ الحادية والعشرين، سيجد أحداً في انتظاره أمام باب منزله.
الناس هنا لا ينتظرون المال. لا يسألون سوى عن وليد البعريني، بالرغم من أن الأخير لم يدفع في يوم الانتخابات. هو الوحيد الذي دفع الأهالي عنه، ولم ينتظروا شيئاً منه. في آخر الإحصاءات، عشية الانتخابات، رجّحت ماكينة التيار الأزرق أن ينال البعريني أعلى رقم تفضيلي.
وفي الساعة الصباحية التي حدّدها لمناصريه، دخل وجيه البعريني محاطاً بأشقائه وأبنائه إلى مدرسة فنيدق للإدلاء بصوته. كان المشهد باهتاً. عند الساعة الخامسة عصراً، دخل البعريني الابن إلى المدرسة نفسها، ليس للتصويت بل لدفن والده سياسياً. نعم، بالحشد الذي انتظره، وبما ينتظره من أرقام، سيسجل أن يوم السادس من أيار 2018 هو يوم خسارة وجيه البعريني النيابة التي حصل عليها في عام 1991 (بالتعيين أولاً)، الأمر الذي شكل آنذاك صفعة لعائلة العلي وانتصاراً لـ»البعارنة». التعيين تكرس بالانتخاب في عام 1992، مع حصوله على 69 ألف صوت، فاحتل المرتبة الثانية شمالاً.
بقي البعريني الأب نائباً حتى عام 2005. وبالرغم من الموجة الحريرية التي عصفت بالشارع السنّي، إلا أن البعريني حصد أصواتاً لا يستهان بها، وكذلك الأمر في عام 2009، فكان أول الخاسرين وحصل على ما يقارب 50 ألف صوت من الناخبين. أما في السادس من أيار، فقد بيّنت صناديق الاقتراع أرقاماً ستكون الأعلى بالنسبة إلى الابن، وربما الأدنى بالنسبة إلى الوالد.

الأخ ضد أخيه
الواقع ليس أفضل حالاً بالنسبة إلى الأخ وأخيه. فقد ترشح محمود حدارة ضمن لائحة «عكار القوية»، بعد أن كان أحد أبرز فاعليات المستقبل الى جانب شقيقه عضو المكتب السياسي سامر حدارة. تمكن محمود من إحداث بلبلة داخل العائلة، فمضى شقيقه الذي تسلم مهمات الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل بالعمل على محاربة أخيه وإثبات أن العائلة وفية لسعد الحريري.



«البلوك» العلوي يخذل الجميع
لم تكترث أغلبية العلويين للانتخابات. عمدوا كالعادة الى الانتشار في السهول الواسعة، فموسم البطاطا هلّ وحان وقت القطاف. تدخل عائلة مؤلفة من أربعة شبان وثلاث نساء إلى المدرسة المسعودية الرسمية المختلطة. يتوجهون الى داخل قلم الاقتراع، يبحثون عن أسمائهم، ليكتشفوا بعد طول انتظار أن أقلامهم في بلدة تلحياة وليس المسعودية. الخطأ يتحمّله سائق التاكسي الذي أقلّهم من سوريا...
اعتاد ناخبو السهل (معظمهم من الطائفة العلوية)، ويقدرون بنحو 15 ألفاً، التصويت منذ عام 1992، بلا ضمانة فوز من يمثلهم بسبب القانون الأكثري. جاء القانون النسبي وجاءت معه الفرصة. لماذا هذه البرودة؟
يعيد البعض ما يجري الى العقوبات التي فرضتها السلطات السورية على بعض رؤساء البلديات بمنعهم من دخول الأراضي السورية عقب لقائهم سعد الحريري قبل أسبوعين، الأمر الذي أدى الى ردّ فعل عكسي عبر مقاطعة الانتخابات. هذا تفسير. التفسير الآخر أن أطرافاً محسوبة على 8 آذار تعمل على خط الناخبين العلويين، كانت تتربص بهم على الحدود في منطقة وادي خالد. ذلك الواقع دفع مرشح لائحة «القرار لعكار» حسن السلوم إلى تفقد الحدود بعد أن تسلل الإحباط الى ماكينته الانتخابية، التي تخوض الاستحقاق الانتخابي للمرة الأولى، في مواجهة النائب السابق مصطفى علي حسين مرشح لائحة «عكار القوية».
وبالفعل، نجح السلوم الذي تولى تسهيل عبور العلويين المقيمين في البلدات الحدودية عند وادي خالد، فتم فتح المعبر الترابي الذي يربط بين بلدة قرحة والجوبانية، كما قدمت تسهيلات للمقيمين في البلدات المتاخمة لعبور «الأمانة السورية في البقيعة». الهدف هو توفير الدعم للائحة قوى الثامن من آذار برئاسة وجيه البعريني، غير أن «البلوك العلوي» خذل الجميع، بالرغم من «التعليمة السورية».