من الزهراني وصور إلى النبطية وبنت جبيل، كل آمال معارضي حزب الله وحركة أمل في الجنوب، باتت محصورة بنتيجة قضاء حاصبيا – مرجعيون. إذ وجدت فيه الملعب الأكثر خصوبة لاختراق الثنائية الثابتة منذ عام 1992، بسبب تنوعه الطائفي والسياسي. لكن توزع المعارضة على خمس لوائح، بدد الآمال بإمكان الخرق ووفر على الثنائي كثير عناء لتوزيع الصوت التفضيلي بين مرشحيهم الخمسة. لم تستطع زيارة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الأولى لحاصبيا – مرجعيون والعرقوب قبل أسبوعين، من تعديل إرث المنطقة العلماني والمقاوم. منذ تحريرها عام 2000، سعى تيار المستقبل والجماعة الإسلامية الى استقطاب أبناء الطائفة السنية المقدرة قوتهم الناخبة بحوالى 28 ألف ناخب، خصص لهم مقعد نيابي واحد. في انتخابات 2009، حصد المرشح الأزرق منيف الخطيب أكثر من 13 ألف صوت، متفوقاً على الأصوات السنية التي حصدها قاسم هاشم (النائب على لائحة حزب الله وأمل منذ عام 2000). من شبعا ومن العائلة نفسها، اختار تيار المستقبل مرشحه لهذه الانتخابات، وهو المتموّل عماد الخطيب. إمكاناته المادية والخدماتية وولاء الجزء الأكبر من الناخبين السنّة لتيار المستقبل والجماعة اللذين يدعمانه، عاملان ليسا كافيين لتحقيق خرق. برغم أن الخطيب أحد أبرز أعضاء لائحة «الجنوب يستحق» المدعومة من المستقبل والتيار الوطني الحر وطلال أرسلان ومستقلين شيعة، فإنه يحتاج إلى كم كبير من الأصوات الشيعية التي تشكل الغالبية المرجحة في هذه الدائرة. وتنتشر شائعات في العرقوب عن توفير المرشح عماد الخطيب للناخبين مبالغ مالية عالية وتذاكر سفر للمسافرين والهدف هو تأمين أكبر عدد من المقترعين له، علماً بأن عدد المقترعين السنّة يقدر بحوالى 12 ألف صوت. أسس الخطيب لحالة مستجدة في المنطقة، بسبب عروضه التي ضاهت إمكانات النائب أنور الخليل. وإن لم يفز، يتأسف البعض لأنه عزز صورة «المرشح المتمول».
قبل أيام، افتتح الحزب الشيوعي اللبناني مقره الجديد في إبل السقي. الراية الحمراء رفرفت فوق أنقاض معسكر القوة الضاربة لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي اضطر إلى إخلائه في عام 1983، بعد استهدافه من قبل ابن البلدة الشهيد الشيوعي جورج نصرالله. في عيد العمال قبل 82 عاماً، ارتفعت الراية نفسها في أول احتفال للحزب في المنطقة عام 1936، نظم في تلة مشهد الطير الواقعة حالياً داخل مزارع شبعا المحتلة. أيضاً، تعرف عدد من أبناء المنطقة إلى مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي أنطون سعادة خلال تلقيهم العلم في بيروت في الثلاثينيات، فرفعوا الزوبعة مقابل المنجل والمطرقة، في مرجعيون وحاصبيا وراشيا الفخار وكفرشوبا.
بالتزامن، كان بعض مسيحيي بلدات مرجعيون وحاصبيا ينضوون في حزب الكتائب. عام 1936، نظم أول عرض عسكري للقوى النظامية في حاصبيا بحضور مؤسسه بيار الجميل. وفي الخمسينيات، عبر حزب البعث من سوريا إلى جبل الشيخ، فالعرقوب. تأثر المئات بميشال عفلق، قبل أن ينقسموا إلى فريقين بعد الحركة التصحيحية في سوريا. هدير ثورة جمال عبد الناصر، وصلت أصداؤه إلى العرقوب. عام 1957، دخلت الأفكار الناصرية عبر زهران غانم ومحمد يحيى وعبد الحكيم القادري ورشيد القوسي. في الستينيات، تأثر شبان سنة بمبادئ الحزب التقدمي الاشتراكي على غرار الشبان الدروز. وعندما أعلن اتفاق القاهرة في عام 1968، دخلت فصائل المقاومة الفلسطينية كلها إلى العرقوب وصار معروفاً باسم «فتح لاند».. الأرضية التي فطر الناس عليها هي مقاومة الفرنسيين والإقطاع والعدو الإسرائيلي، وهم دفعوا ثمن خياراتهم شهداء في كل المعارك الوطنية والقومية.
منذ عام 1992، سجلت محاولات عدة لإحياء التنوع، لكنها باءت بالفشل دورة بعد أخرى. بدءاً من ترشيحات الحزب الشيوعي ورئيس الاتحاد العمالي العام الأسبق إلياس أبو رزق، وصولاً إلى أحمد كامل الأسعد. في الدورة الحالية، لم تفلح محاولات إقناع «الشيوعي» بالانضمام إلى لائحة «الجنوب يستحق». لكن الكتلة الأبرز العابرة للطوائف رفضت التحالف مع قوى السلطة بحسب مسؤول هيئة الحزب في حاصبيا ـــ مرجعيون إلياس اللقيس. يتوقع صعوبة الاختراق بسبب تعددية المعارضة، لكن «لا يصح إلا الصحيح». يحمّل اللقيس أهالي المنطقة تبعات التجديد للنواب أنفسهم: «بعد 6 أيار، ممنوع النق».
من جهته، يكشف الكتائبي بيار عطاالله عن مقترح قدم لـ»الشيوعي» بتشكيل تحالف بينه وبين الكتائب. في لائحة «معاً نحو التغيير» تتمثل نقطة القوة الوحيدة بالتمثيل الشيوعي الوازن. أما في لائحة «شبعنا حكي»، فيشكل المرشح الأرثوذكسي فادي سلامة المدعوم من القوات والكتائب، نقطة القوة الوحيدة أيضاً. إذ إن أحزاب اليمين المسيحي، لا تزال تحتفظ بقواعد متينة، في مقابل الحضور الحديث للتيار الوطني الحر. يقر عطاالله بأن الخطاب المستخدم في البلدات المسيحية الاثنتي عشرة في القضاء، وصولاً إلى مسيحيي بنت جبيل، يراعي النمط الطائفي السائد. «كل زعيم يخاطب شارعه باللغة التي يحب أن يسمعها».