القوى المسيحية المنافسة للتيار بدأت معركتها ضد حزب العهد، ولم يبلغ بعد نصف الولاية
لكن المشكلة أن صعود التيار صاروخياً، في عهد «الرئيس القوي»، ترافق مع حملة انتقادات لأدائه وأداء رئيسه والعهد ومن حوله. وإذا كان التيار يستظل بالعهد، فيزيد من منسوب التحدي لخصومه، إلا أن ذلك من شأنه أن يضاعف المحاذير أمامه، لأن هناك خيطاً رفيعاً بين رفع الصوت وتأمين قاعدة مستقبلية متنية، وبين رفع الصوت لمكتسبات آنية، لا يبنى عليها مستقبلاً وتطيح فكرة الإتيان برئيس قوي.
خطورة ما يحصل اليوم، بحسب مراقبين سياسيين، في أن كثرة التحديات تؤدي إلى أمرين:
أولاً، إن خصوم التيار، وهم كثر، لا يمكن أن يستمروا طويلاً في تحمل استفزازات يتضاعف عددها تدريجاً وتتلطى بالعهد. وهؤلاء، ومنهم من كان في السلطة لوقت طويل وشهد عهود «الرئيس الضعيف»، باتوا يتحسسون من عبارة «الرئيس القوي» ومن أداء حزبه. وهذه النار لا يمكن أن تبقى طويلاً تحت الرماد، لأن من شأن استمرار هذا الجو الاستفزازي أن ينعكس على العهد ومستقبلاً على ما بعده. وقد بدأ الحديث من الآن، عن أن تجارب الرؤساء السابقين بعد الطائف، التي لم يجد فيها المسيحيون ضالتهم، إنما كانت أخفّ وطأة بطبيعة الحال على القوى السياسية الأخرى. وهذا يفترض أن يعيد بعض التوازن إلى خطاب التيار وأدائه فلا يجنح أكثر، لأن ما التزمه حزب الله مع رئيس الجمهورية الحالي قد يكون في حلّ منه مع غيره. فكيف الحال والحزب بدأ يعطي ملاحظاته على أداء التيار من دون مواربة؟ وأين ستكون مصلحة المسيحيين الذين يدافع عنهم التيار، إذا كانت تجربة الرئيس القوي والعهد القوي تدفع القوى السياسية إلى نبش شخصيات وتجارب حيادية وباهتة؟ وأين ستكون مصلحة التيار في أن يطيح إنجازات موقتة، فلا يؤسس لمستقبل يركز فيه التيار وفريقه ومن يمثل من المسيحيين حضورهم في السلطة، بدل أن يضاعف عدد خصومه، فتتحول تجربة العهد الحالي، إلى تجربة يتيمة، لا تنعكس فقط على التيار، بل على القوى المسيحية كلها؟ وما هي مصلحته في استنفار عصبيات ونبش حساسيات قوى سياسية رغم كل مآخذه عليها؟ علماً أنه لا يمكنه التعويل على تفاهمه مع تيار المستقبل، لأن له ظروفه وحيثياته، كما أن لتيار المستقبل حساباته الإقليمية والمحلية التي قد تتبدل بحسب الظروف.
ثانياً، إن التيار لا يراكم خصومه من القوى السياسية من غير بيئته المسيحية حصراً. ما خلقه التيار في الوسط المسيحي من حساسيات، يفترض أن يحاذر منه، لأنه جمع كل خصومه في سلة واحدة، وأضاف إليهم البطريركية المارونية التي لا توفر سبيلاً إلى انتقاد ممارسة العهد والتيار في الإدارة وتسجل عليه سلسلة ملاحظات لها علاقة بالمحسوبيات. وهؤلاء يجمعون على أن التوظيفات إنما تصبّ في خانة طرف واحد، و«عودة المسيحيين» إلى السلطة، تختصر فحسب بعودة مناصري التيار إليها، ناهيك عن سلسلة ملاحظات باتت معروفة. وهذا يعيد التذكير بتجربة الرئيس فؤاد شهاب كرئيس قوي، وكان ينال رضى الشارع الإسلامي، إلا أن القوى المسيحية الرئيسية انقلبت عليه وهزمته في انتخابات عام 1968. وإذا كانت القوى المسيحية نادت بأن يكون الرئيس ممثلاً لبيئته ويكون انعكاساً بقوته للشارع المسيحي، فإن تجربة هذه القوى مع الظواهر الحالية، وقد تعززت في مرحلة الإعداد للانتخابات، بدأت أيضاً تثير التباسات وأسئلة، واستعداداً مبكراً لكباش حاد معه حول الحكومة المقبلة. من دون أن ننسى أن القوى المسيحية الثلاث الأساسية بدأت معركتها الانتخابية في مواجهة حزب العهد، ولم يبلغ بعد نصف الولاية. وهذا وحده مؤشر كافٍ.