خلال تدشين مُستشفى، وإضاءة صخرة الروشة، وتوزيع مُساعدات، ولقاء سياسي ــ انتخابي في بعلبك، وصلاة جمعة في طرابلس وسهرة مع الإعلاميين والسياسيين، يُمكن مُصادفة السفير الإماراتي حمد الشامسي. هو «دبلوماسي الصُّوَر»، الآتي من خلفية استخبارية. رجل محمد بن زايد في لبنان، ليس بين أدواره أو في صلب أولوياته، تطوير العلاقات بين لبنان والإمارات!السفير حمد الشامسي، لا يمتّ بصلة إلى حمد الشامسي، المطرود من بلاده بتهمة الخيانة، لانتمائه إلى «تنظيم سرّي إخواني». رئيس الدبلوماسية الإماراتية في بيروت، نقيض سَميِّه في علاقته مع دولته. انتدبته في عام 2015 للعب دور دبلوماسي ــ استخباري في لبنان، بعد ثلاث سنوات من اقتصار التمثيل الإماراتي على قائم بالأعمال في سفارة بيروت.
لن يطول الأمر، قبل أن يتَحوّل حمد الشامسي إلى «نجم» الساحة اللبنانية، والمُضيف و«الضيف الدائم» لمعظم المناسبات السياسية ــ الاجتماعية ــ «الثقافية» في هذا البلد الصغير.
«تسلّل» إلى الصالونات اللبنانية من خلال «وجهه البشوش»... والكثير من «المُساعدات»، التسمية التي تُطلق على الأموال التي تدفعها البعثات الغربية بُغية تنظيم جماعات محلية تواليها. ولكنْ للشامسي «حضورٌ خفيف وغير مُستفز»، على حد قول عارفيه، وذلك على عكس زملائه السعوديين الذين يتعاملون مع المسؤولين اللبنانيين، من موقع فوقي أو من موقع «الوصي»، أو ما تُعرف محلياً بـ«طريقة غازي كنعان». هكذا يبدأ عارفو الشامسي، من سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين، حديثهم عنه. قبل أن يذكروا «هوسه» الأكبر: الظهور الإعلامي. من النادر أن يوجد في مكانٍ ما، من دون أن تكون «الكاميرات» قد سبقته. ميزة تجعله قريباً من القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري المهووس بالتغريدات وعوالم السوشيل ميديا.
دبلوماسي الـ«Mondanité»، تلهّى بـ«القشور»، فانعكس ذلك سلباً على دوره باعتباره سفيراً. تقول مصادر دبلوماسية إنّه «يُنتظر من أي سفير جديد، المُباشرة في تحسين العلاقة بين بلدِه والبلد الذي انتُدب إليه». في حالة الشامسي، «لم يُسجّل أي خرق على صعيد العلاقات الإماراتية ــ اللبنانية المتردية منذ الـ2008، بعد أول عملية ترحيل للبنانيين من الإمارات. حتى إنّه لم يزر لبنان أي مسؤول إماراتي رفيع المستوى منذ ذلك الحين».
إحدى مهمات الشامسي في لبنان، كانت جمع معلومات عن عائلات اللبنانيين في الإمارات


حمد الشامسي، «ذكي ودبلوماسي في تعامله مع الناس». خرّيج «الدكتوراه» من جامعة بيروت العربية، ضليع بالشؤون اللبنانية، وعلاقاته مُتشعبة منذ التسعينيات، يوم كان أجيراً في سفارة بلاده لدى لبنان. البعض يقول إنّ الشامسي كان مسؤولاً وقتذاك عن الاستخبارات.
بدأ حياته «الدبلوماسية» يوم تسلَّم منصب مدير إدارة العمليات في وزارة الخارجية في أبو ظبي. وقد ترأس وفوداً إماراتية عدّة لتمثيل بلاده في مؤتمرات دولية. عضو مجلس الإدارة والعضو المُنتدب لشركة «الظاهرة القابضة»، و«يُساعد في وضع الخطط الاستراتيجية والتشغيلية وتنفيذها» في الشركة المذكورة.
في الـ2015، عاد ابن مدينة العين (رابع أكبر مُدن الإمارات) إلى لبنان. المُهمّة كانت مُحدّدة، تنقسم إلى شقّين: «جمع معلومات عن اللبنانيين الذين لديهم أقرباء في الإمارات. والشق الثاني رصد الإماراتيين المُتزوجين جنوبيات»، وقد بنى «سعادته» علاقة جيّدة مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، استناداً إلى المصادر الدبلوماسية نفسها.
في إحدى المقابلات، يقول الشامسي إنّه يتولّى شخصياً حلّ مشكلات اللبنانيين في دبي، وقد خصّص مكتباً لتلقّي طلباتهم ومشكلاتهم، «والعمل على حلّها». لا أحد يعرف ما كانت نتائج عمل هذا المكتب. وفي الـ2017، «اخترعت» مؤسسة الإنتربول مركز سفيرٍ لها، و«أهدته» إلى الشامسي. منصب «حسّاس وحيوي»، كما ذُكر في بيان السفارة الإماراتية في حينه، وقد وُصف بأنّه «ترجمة لشراكة حقيقية واستراتيجية بين العمل الدبلوماسي والأمني». مركز لا يليق إلا بشخص دبلوماسي، ذي خلفية أمنية.
الشامسي هو نسيب رئيس جهاز الاستخبارات في الإمارات اللواء علي محمد الشامسي، الذي زار رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق في آذار الماضي، في سياق الوساطة الأميركية ــ الإماراتية ــ الفرنسية من أجل تحسين العلاقة بين الحريري والسعودية. بالمناسبة، في ٩ آذار الماضي، كرّم السفير الإماراتي وزير الداخلية اللبناني من دون تعليلٍ، سوى أنّ المشنوق بقي على علاقة جيّدة بالمسؤولين الإماراتيين حتّى في عزّ الأزمة السياسية بين التيار الأزرق وكل من دبي والرياض. أتت الحفلة التكريمية، بعد اللقاء الذي نظّمه الشامسي للنائب السابق فارس سعيد والكاتب رضوان السيّد والمُرشح إلى الانتخابات النيابية صلاح سلام، وكذلك بعد أن بقيت الإمارات، لأشهر طويلة، تُموِّل معركة الوزير السابق أشرف ريفي، «مواربةً» عبر رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور. فاللواء المتقاعد كان يتكلّم اللغة التي يُحبّها الإماراتيون: مُهاجمة إيران وشيطنة حزب الله.
استفاد الشامسي من «الفراغ» الدبلوماسي السعودي في لبنان، خلال الأعوام الماضية، ليتسيّد المشهد، ولا سيّما أنّه صاحب نظرية «عدم ترك الساحة خالية لحزب الله». وكان يُردّد في مجالسه أنّه إذا «انسحب السعوديون من لبنان، يجب أن نملأ نحن (الإمارات) الفراغ». بيد أنّه اصطدم بسياسة بلاده، «المُنكفئة» خلف المملكة الوهابية. يرى أحد الوزراء البارزين أنّ «الإمارات تُدرك أنّ لبنان هو منطقة نفوذ سعودية، لذلك لا تتدخل مُباشرةً. لكنّ الإماراتيين جاهزون، ومُطلعون على ما يجري». ملعب الإماراتيين الأوسع، هو المساعدات الاجتماعية، وتحديداً، العلاقة مع مشايخ الطائفة السنية، الذين تدفع الدولة الخليجية منذ سنوات بوليصات التأمين الخاصة بهم، فضلاً عن مساعدة شهرية تردد أخيراً أنها توقفت وفق عدد من أئمة المساجد وخطبائها في العاصمة ممن قالوا إن المدير العام للأوقاف الإسلامية أبلغهم بتوقف المنحة الإماراتية، ليتبين لاحقاً أن ثمة قطبة انتخابية وراء القرار المذكور.
يُشكّل الشامسي «ديو» مع الوزير المفوض لدى السفارة السعودية لدى لبنان وليد البخاري. علاقة السفير الإماراتي مع سعد الحريري مُباشرة، لا تمرّ بأي وسيط، خاصة مُدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري. مُصالحة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع الحريري، أدّت إلى انفتاح الشامسي على رئيس تيار المستقبل، وبدء العلاقة «الجيّدة» بينهما، التي بانت آثارها مع حصر التحويلات المالية التي تصرفها الإمارات لدار الفتوى بسفارتها، بدلاً من تحويل الأموال إلى النائب فؤاد السنيورة، الذي كان يتولى توزيعها. حَصل ذلك بطلبٍ من الحريري، لرغبته في حصر علاقة قيادة أبو ظبي به. ولكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، كان الشامسي «يُثرثر» كثيراً على رئيس الحكومة، لا بل هو من تعمد تسريب قصة الشيك بلا رصيد الذي دفعه الحريري إلى محمد بن زايد، بعدما كان الأخير قد أقرضه مبلغاً كبيراً(مئات ملايين الدولارات) لفترة زمنية محددة.
زادت حدّة انتقادات الشامسي، في عام 2016، قُبيل انتخاب الرئيس ميشال عون. رأى الدبلوماسي الإماراتي أنّ الحريري «يلعب بمصيره»، مؤكداً أمام من يلتقيهم أنّ «جلسة انتخاب عون لن تتمّ»! المُضحك أنّ العديد من السياسيين اللبنانيين، من نواب ووزراء سابقين، علّقوا آمالاً على كلام المندوب الإماراتي... فردّهم خائبين. عُدَّت هذه الحادثة دليلاً على أنّ الشامسي «يتكلّم أحياناً وفق ما تُمليه عليه مشاعره وأمنياته، ولا يملك دائماً معلومات دقيقة».