لا يكتمل النصاب في لجنة الإدارة والعدل. في كلّ مرة، يجري فيها طرح مشروع قانون الأشخاص المفقودين والمخفيين على طاولة النقاش، ينتفي النصاب. يمرض الأعضاء. يسافرون. ينسون. المهم، لا يكتمل النصاب. يبقى القانون عالقاً هناك بلا نتيجة، فيما يمرّ الوقت ثقيلاً على المنتظرين لحقهم بمعرفة ماذا حلّ بأحبائهم.في ظل هذه المماطلة، تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر ــــ في إطار «مساعدتها» للدولة اللبنانية ـــ بجمع البيانات المتعلّقة بالذين فقدوا في لبنان منذ عام 1975. وهي التي تقسّم إلى نوعين: بيانات ما قبل الاختفاء والعينات البيولوجية. بالنسبة للأولى، فهي تعتمد على استبيان أعدّه خبراء يحتوي أسئلة عدّة تطرح على ذوي المفقود لرسم هوية له، وتتعلق بـ«شكله مثلاً، بالحالة الطبية التي كان يعاني منها إن كان مريضاً، بوجود آثار في جسمه، بالملابس التي كان يرتديها عندما اختفى وغيرها».
أما العينات البيولوجية، فقد بدأ جمعها منذ العام 2015. وتوضح منسقة القسم الجنائي لدى اللجنة، أنخيليكا غوزمن، أنّ «العيّنة هي من اللعاب، وتؤخذ من الأقرباء المباشرين للمفقود (أم/أب، أخ/أخت، ابن/ابنة) أو من أقرباء أبعد في حال تعذّرت الأولى (عم/ة، خال/ة، حفيد/ة...)». تأخذ اللجنة عادة عينتين، وقد تأخذ أربعاً أيضاً. واحدة تحفظ لدى اللجنة الدولية في لبنان وأخرى احتياطية تحفظ في سويسرا. ظروف استخراج العينات وحفظها تخضع للمعايير العالمية، بحسب غوزمن، فهي «تحفظ في درجة حرارة بين 15 و20 درجة مئوية وفي مستوى رطوبة أقلّ من 55%». كما يرعى حفظ العينات «الخصوصية التامة للأشخاص المعنيين، فهي توسم بأرقام وليس بأسماء». عدد العينات وصل إلى1266 تعود لـ609 أشخاص، ومدّة صلاحيّتها «ثلاثون سنة»، بحسب غوزمن.
وفي سياق متّصل، يشير جيروم تويت، المسؤول عن برنامج المفقودين لدى بعثة اللجنة الدولية، إلى أن اللجنة «قابلت إلى الآن عائلات حوالى 3000 من المفقودين وجمعت عنهم بيانات تتعلق بما قبل الاختفاء». استناداً لتلك الملفات، يقول تويت إن «نحو 99% من هؤلاء الأشخاص هم مفقودو حرب». هذا ما أظهرته الأرقام إلى الآن، وهي ليست نهائية، خصوصاً أن «عملية جمع البيانات لا تزال جارية ونحن في صدد التوسع فيها».
وبرغم تجاوب الأهالي التام مع عمل اللجنة الدولية، إلّا أنّ قدرة هذه الأخيرة تبقى محدودة، فهي لا تستطيع تخطّي صلاحيات الدولة اللبنانية، لتتولى مهمة البحث عن مصير المفقودين. انطلاقاً من هنا، يتوقف دورها عند جمع البيانات، في انتظار تشكيل آلية وطنيّة من قبل الدولة. آلية «حياديّة وذات ثقة ومصداقية وتتعامل مع الموضوع من زاوية إنسانية»، تتابع غوزمن. عند توفّر تلك الصفات، عندها تقوم اللجنة الدولية بتسليم البيانات والعينات البيولوجيّة والبيانات المساندة المطلوبة إلى الدولة لمتابعة الملفّ. لكن، هذا دونه درب طويل، ليس آخره إقرار مشروع القانون الذي لم يأت على ذكر العينات البيولوجية بطريقة دقيقة ومفصّلة، بل كان عاماً.
كل ذلك سيبقى ناقصاً، ما لم تقم الدولة بتشريع قانون لتشكيل هيئة رسمية للبحث عن المفقودين باستقلالية تامة، قبل أن تمضي السنوات الثلاثون كما مضت 43 عاماً على الحرب، من دون حتى أن تحصي أعداد الغائبين.