اختُتمت أعمال مؤتمر "سيدر" بإعلان المنظّمين حصول لبنان على قروض ومنح بقيمة 11.3 مليار دولار، عدّها رئيس الحكومة سعد الحريري بمثابة "نجاح باهر" لدى اتصاله برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لإطلاعهما على النتائج. إلّا أن تباهي الحريري بزيادة المديونية العامّة واعتبارها "نجاحاً باهراً" يبقى شبيهاً "بشراء السمك في البحر"، كون غالبية هذه القروض هي مجرّد وعود مشروطة بتنفيذ لبنان لسلسلة من الإلتزامات المُكلفة على المقيمين، والتي يفرضها صندوق النقد الدولي بوصفها إصلاحات لدعم الاقتصاد اللبناني.عُقد مؤتمر "سيدر" أو الجزء الرابع من مؤتمرات باريس، بحسب وصف المشاركين، اليوم، في قاعة المؤتمرات التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية في باريس. وعلى عكس عادتهم خلال المشاركة في المؤتمرات المحليّة، حضر أعضاء الوفد اللبناني الرسمي قبل الوقت بحوالي الساعة، منتظرين وصول ممثلي الدول المانحة البالغ عددها 35 دولة، ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، فضلاً عن ممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني والذي حُصرت مشاركته بـ"مؤسسة كارنيغي" و"كلّنا إرادة".
انطلق المؤتمر عند التاسعة صباحاً، بكلمة افتتاحية ألقاها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، أعقبه رئيس الحكومة سعد الحريري، قبل أن يتم إخراج الصحافيين من قاعة المؤتمر إلى غرفة معزولة ومقطوع عنها البثّ المباشر لوقائع المؤتمر، ويحرسها رجال أمن السفارة، منعاً لدخول الصحافيين مجدداً إلى القاعة الرئيسية، فيما سُمح لممثلي القطاع الخاص فقط بالبقاء في غرفة البث.

شروط المانحين وتعهّدات الحكومة!
قبل بدء الجلسة السريّة، قال لو دريان إن "هذا المؤتمر يشكّل حلقة من ضمن مجموعة من المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان، بدأت مع مؤتمر روما في آذار الماضي لدعم الجيش والقوى الأمنية، وستستكمل في 24 نيسان بمؤتمر بروكسل للاجئين، وهي المؤتمرات التي تمّ الاتفاق عليها خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس في كانون الأول الماضي، حيث أعرب لبنان عن التزامه بسياسة النأي بالنفس وعدم التدخل بالصراعات الإقليمية، والالتزام بمبدأ حصرية السلاح تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 1701". وأشار لو دريان إلى أن "المؤتمر ينسجم مع التشخيص الذي وضعه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومن ثمّ نقّح بالتشاور مع القطاع الخاص، وهو برنامج يرتكز إلى حاجة لبنان لإعادة بناء بنيته التحتية التي لم تعد كافية لتأمين حاجات كل سكانه".
إلى ذلك، أشارت مصادر في الخارجية الفرنسية لـ"الأخبار" إلى أن "هذا المؤتمر لن يكون مجانياً كسابقاته من مؤتمرات باريس، ولن ينصاع لواقع تحمّله عبء اللاجئين السوريين للحصول على التمويل والتهرّب من الشروط، لأن هناك إصرارا على إلتزام لبنان بتعهّداته وتنفيذ الشروط والإصلاحات الاقتصادية المُطالب بها، كشرط رئيسي لحصوله على القروض والمنح". وتتضمّن تلك الاصلاحات "إصلاح قطاع الكهرباء والمياه والنقل، بما فيها رفع سعر تعرفة الكهرباء ما يكفل خفض الدين العام المرتبط بجزء كبير بديون الكهرباء، وإقرار قانون المياه الذي يفتح القطاع للمستثمرين الخاصين، وهو ما تمّ الأسبوع الماضي بهدف تسهيل تنفيذ مشاريع كثيرة تتضمّنها الخطة الاستثمارية. ويضاف إلى ذلك خفض الإنفاق بنسبة 5% ووقف التوظيف العام وإعادة النظر بالنظام التقاعد لموظفي القطاع العام، وزيادة الإيرادات بالنسبة نفسها عبر تحسين التحصيل الضريبي وفرض إجراءات ضريبية جديدة، وتعديل النظام الجمركي بما يؤمن سهولة أكبر بدخول وخروج السلع من لبنان، الاعتماد على التحكيم الدولي، توقيع مراسيم التخصيص والشراكات مع القطاع الخاص".

رؤية الحريري
أمّا الحريري فقد اتكأ على اللاجئين السوريين للتعبير عما وصفه بـ"التحديات التي يواجهها لبنان اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وتستدعي وقوف المجتمع الدولي والقطاع الخاص إلى جانبه، إذ أدّت إلى تراجع النمو من 8 إلى أقل من 1% منذ اندلاع الحرب السوريّة، فضلاً عن خسارة لبنان 18 مليار دولار حتى عام 2015 من مجمل الناتج المحلي بسبب الأزمة السورية وزيادة مديونيته نحو 6 مليارات دولار حتى عام 2016، شكّل تزويد النازحين بالكهرباء وحدها نحو مليار دولار، كما أدّت إلى زيادة الفقر والبطالة وانخفاض الصادرات بمقدار الثلث، وتكثيف الطلب على البنية التحتية". وعرض الحريري رؤية الحكومة التي تستند على أربعة عناصر وهي
زيادة الاستثمار في البنى التحتية من خلال تنفيذ برنامج الانفاق الاستثماري
ضمان تنفيذ هذا البرنامج الاستثماري في إطار مالي شامل وديون مستدامة من خلال تعزيز ضريبي يهدف إلى خفض عجز الميزانية بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% خلال السنوات الخمس المقبلة
تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها لبنان لتحقيق كل إمكانات النمو المستدام بقيادة القطاع الخاص مع زيادة العدالة الاجتماعية. وتشمل هذه الإصلاحات مكافحة الفساد، وتحسين إدارة الضرائب، وتحديث وإعادة هيكلة القطاع العام، وتحسين عملية التوريد والتصديق على قانون حديث بشأن التوريد العام، وتحديث وترشيد الجمارك، والتحول الرقمي للحكومة، وتأمين بيئة أفضل للأعمال التجارية، فضلاً عن الإصلاحات القطاعية اللازمة لجعل القطاعات أكثر كفاءة واستدامة
تطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية وتعزيز إمكانات التصدير اللبنانية". وخلال الجلسات المقبلة تعهّد الحريري بتنفيذ كلّ المطالب بما تتضمّن "إجراء الانتخابات وإنشاء فريق متابعة مؤلف من المؤسسات المالية والدول المانحة لتتأكّد من تنفيذنا لهذه الالتزامات، على أن يكون شبيهاً بآلية ISO".

ما لم تنقله الكاميرات!
خلال الجلسة المغلقة، تحدث ممثلو الدول والمؤسسات المالية. بالنسبة للبنك الدولي فإن شروطه واضحة وتتضمّن "إجراء إصلاحات في عشرة قطاعات على أن يبادر لبنان بالقطاعات التالية التي يريدها القطاع الخاصّ وهي:
الطاقة من خلال رفع التعرفة وتنفيذ مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص
تحديث قانون التوريدات العامّة
وضع استراتيجية شاملة للجمارك لتسريع المبادلات التجارية
تحرير الاتصالات والخوض في تسهيل عمليات استثمار القطاع الخاص
الالتزام بتنفيذ تدابير تعزّز الشفافية والمساءلة
في المقابل، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن "نجاح الخطة الاستثماريّة يتطلب من كل طرف أن يقوم بدوره، بحيث مطلوب من الحكومة اللبنانية أن:
تخفض عجز الميزانية بنسبة 5% كبداية خلال السنوات الخمس المقبلة، والبدء بتخفيض الدين العام
إصلاح قطاع الكهرباء وتحسين التغذية الكهربائية وخفض أعبائها بما يخفض الدين العام
مكافحة الفساد
الالتزام بالتدابير التي يتبعها صندوق النقد للتوصل إلى هذه الأهداف والتي وردت في ورقتنا التقييمية عن لبنان
تقييم الاستثمار العام وتحديد الثغرات في الادارة العامة قبل البدء بتطبيق الخطة الجديدة
أمّا دول OECD فقد عبّر أمينها العام عن الشروط التي يمكننا المساعدة في تنفيذها وتتضمّن
التزام بمعاييرنا للحوكمة والتنافسية
صياغة قوانين الضرائب الجديدة
صياغة قانون جديد للمشتريات العامة، ورقمنة الحكومة
تحسين بيئة الأعمال بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي بما يكفل فتح مجالات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة

المنح والقروض بالأرقام!
بلغت قيمة المنح والقروض التي حصل لبنان على وعد بالحصول عليها نحو 8.045 مليار دولارات، (فيما تقول الحكومة اللبنانية والمنظمين الفرنسيين أنها عبارة عن 11.3 مليار دولار كون بعضها عبارة عن قروض قديمة)، وهي مشروطة بتنفيذ الالتزامات المفروضة على لبنان، فضلاً عن التزامات أخرى خاصّة بكل دولة مانحة أو مؤسسة مالية.
القيمة الأكبر من المنح أتت من السعودية بنحو مليار دولار أميركي، وهي عبارة عن هبة سابقة أوقفت السعودية صرفها موجودة في صندوق الاستثمارات السعودية، ثمّ أعلنت في مؤتمر أمس استعدادها لإعادة النظر بإمكانية إحيائها لتمويل مشاريع إنمائية، فضلاً عن منح بقيمة 52 مليون دولار لصندوق برنامج GCFF الخاص بالبنك الدولي (40 مليون من السويد و12 مليون ألمانيا)، و184 مليون دولار من فرنسا لمشروعات ثنائية عبر الوكالة الفرنسية للتنمية.
فيما يتعلق بالقروض، أعلنت فرنسا التزامها بمنح قروض ميسّرة بقيمة 492 مليون دولار. وبريطانيا قروض بقيمة 225 مليون دولار أميركي (56 مليون دولار لبرنامج الإسكان وبعض مشاريع البنى التحتية التي تولد فرص للسوريين واللبنانيين، 169 مليون دولار من القروض الميسرة). وألمانيا 61 مليون دولار لمشروعات البنى التحتية المتعلّقة بالمياه وإعادة تدويرها. فيما تعهّدت هولندا منح قروض بقيمة 245 مليون دولار خلال السنوات الأربع المقبلة وأن يخصص منها كمساعدات لتصدير المنتجات الزراعية والفواكهة. والسويد قروض ميسرة بقيمة 200 مليون دولار لمساعدة اللاجئين والقيام بمشاريع في مناطق تواجدهم، فضلاً عن اشتراط تعزيز المساواة بين الجنسين ومشاركة المرأة وإعادة افتتاح سفارة سويدية في بيروت.
أيضاً تعهّدت تركيا بمنح قروض بقيمة 200 مليون دولار لمشاريع الكهرباء. وإيطاليا قروض ميسّرة بقيمة 147 مليون يورو لتنفيذ مشاريع البنية التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص. والولايات المتحدة قروض بقيمة 150 مليون دولار لمساعدة اللاجئين والإبقاء على سياسة النأي بالنفس وإجراء الانتخابات. أمّا قطر، فقد امتنعت بداية عن منح قروض، لكن بعد إنتهاء جولة العروض وبانتظار إلقاء الرئيس الفرنسي لكلمته، أعلن عن تراجعها والتعهد بإعطاء قروض بقيمة 500 مليون دولار.
تم إخراج الصحفيين إلى غرفة معزولة قطع عنها البث المباشر


بالنسبة للاتحاد الأوروبي فقد تعهّد منح 12 مليون دولار من القروض الميسرة على 3 سنوات وفق برنامج "آلية تسهيل الاستثمار في دول الجوار"، واشترط إضافة إلى تنفيذ الشروط المطلوبة مسبقاً أن تساهم في تقديم مساعدات تقنية وتمويلية فيما يتعلق بنظام النقل والجمارك.
أمّا البنك الدولي فقد تعهد بمنح 500 مليون دولار على خمس سنوات لتمويل البنية التحتية. فيما التزم البنك الإسلامي للتنمية تقديم 750 مليون دولار على 6 سنوات في حال تم التسريع بإقرار قوانين قروض وافق على منحها وهي عالقة في مجلس النواب.
أيصاً تعهّد بنك الاستثمار الأوروبي منح قروض بقيمة 800 مليون يورو حتى عام 2020، شرط موافقة البرلمان على قوانين القروض المطروحة أمامه. بالنسبة للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية فقد أعلن عن استعداده منح 500 مليون دولار للسنوات الخمس المقبلة شرط إقرار البرلمان اللبناني قرضين بقيمة 180 مليون دولار لتنفيذ مشاريع تنموية في مناطق تواجد اللاجئين السوريين، فضلاً عن تعزيز مشاركة القطاع الخاص كما هو مخطّط له منذ باريس 1 بحسب المدير العام للصندوق.
أما البنك الأوروبي للتعمير والتنمية فقد أعلن عن استعداده منح 122 مليون دولار خلال سنة شرط تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص خلالها، ليقدم بعدها قروضاً بقيمة 245 مليون دولار سنوياً على مدى خمس سنوات في حال تم الإلتزام بالإصلاحات المطلوبة، وإشراكه ضمن الفريق الذي سيشرف على المشاريع المطروحة.
فيما أعلن الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية استعداده إقراض لبنان 500 مليون دولار للسنوات الخمس المقبلة لتنفيذ مشاريع متعلقة بالطريق والمياه والكهرباء، ولكن شرط التزام الحكومة اللبنانية بشروط صعبة بحسب وصف المتحدث باسم الصندوق استناداً إلى التجربة السابقة مع لبنان، وهي تتضمّن تحديد واضح للمشاريع المطروحة بكل شروطها، وإجراء دراسات جدية لكل مشروع، والالتزام بفترات تنفيذها لا التأخير في تنفيذها، فضلاً عن إشراكه في فريق متابعة التنفيذ.