لم يكن الاستحقاق الانتخابي يعني شيئاً لمنطقة وادي خالد (عكار) قبل عام 1994 بسبب عدم حصول أهل المنطقة على الجنسية اللبنانية قبل المرسوم الشهير. وفي دورة عام 2000، أحدثت وادي خالد نقلة نوعية تمثلت بمشاركتها في الحياة السياسية بفوز نائبين منها (محمد يحيى وجمال إسماعيل)، فانضما إلى نادي «الوجهاء»، وصارا مرجعيتين لعشيرتي الوادي الأساسيّتين.
سكنت الوادي عشائر عديدة أقدمها: عرب الفضل، عرب المنافي، وبني زيد والدنادشة. أما العشيرتان الأساسيتان، فهما: عشيرة العتيق وعشيرة الغنام اللتان تتعدد الروايات وتختلف الآراء حول أصولهما. ويتبع هاتين العشيرتين مجموعة من العائلات المسماة بحسب العرف بـ«اللحقة»، وتحتويان بداخلهما على أجباب وأفخاذ وبطون تتوزع على مناطق وأحياء سكنية مختلفة.
اعتمد أبناء العشيرتين على التجارة، لأنها ــ بحسب قولهم ــ «أربح وأكيَل»، وإن كان أفراد الغنام أسبق إلى ميدان التجارة من العتيق، ونسبة الرخاء ظاهرة عليهم أيضاً بصورة أوضح.
استفاد عرب الوادي من الموقع الحدودي، الأمر الذي جعلهم يوجهون أنظارهم إلى الداخل السوري بغية تطوير تجارتهم التي اتخدت شكلين أساسين: أولهما بيع البضائع اللبنانية والمستوردة عبر لبنان إلى السوريين، والشكل الثاني هو بيع البضائع من سوريا إلى لبنان. وقد أقيم بين العامين 1975 ــ 1978 أكثر من 800 محل تجاري على امتداد الطريق في البقيعة. إذ جراء هذا الواقع نشطت حركة التجارة بنحو كبير.

لوادي خالد
خصوصية، إذ يشكّل رابط الدم أساس
التنظيم السياسي

تبدل الواقع كثيراً عقب الأزمة السورية التي أرخت بثقلها على قرى وبلدات وادي خالد على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. عدد النازحين بات يناهز عدد المواطنين، أي ما يقارب 33 ألف نازح سوري، تراجعت الأعمال الزراعية وانقطعت التجارة وأغلقت الحدود، وبات الحديث عن الضائقة المادية والبطالة على كل لسان.
بالرغم من أن الاستحقاق الانتخابي يجب أن يكون مناسبة للحديث عن الإنماء المنشود في الوادي الذي يضم نحو 19 ألف ناخب على لوائح الشطب (يتوزعون حسب الطوائف على النحو الآتي: سنّة 14 ألفاً و500 ناخب، علوي: 2500، شيعي: 1500، روم أرثوذكس 200 شخص، موارنة 15)، إلا أن المنافسة تنحصر بين رجال الأعمال. «المعركة ليست معركة إنماء، ولا سياسية، بل معركة رجال الأعمال»، على حد قول أحد أبرز فاعليات المنطقة.
السؤال عن هوية المرشحين في وادي خالد يقود إلى كل من النائب السابق محمد يحيى والمدعوم من شقيقه رجل الأعمال مصطفى يحيى، رجل الأعمل محمد عبد الله، رجل الأعمال خالد البدوي، عضو مكتب منسقية عكار في تيار المستقبل الدكتور مصطفى علي، الذي جاء ترشيحه كحركة اعتراضية من بعض كوادر المستقبل، الأمر الذي عاد العلي واستدركه في بيان أكد فيه أنه سيلتزم خيار «المستقبل»، والدكتور بري الأسعد (مرشح اليسار الديمقراطي).
المنافسة تنحصر بين المرشحين الثلاثة الأوائل، فلكل منهم حيثية معينة. المرشح يحيى له خدماته على الأرض ويجمع حوله شريحة لا يستهان بها من أبناء الوادي بسب علاقته مع الداخل السوري. حاول يحيى التقرب من الرئيس الحريري، عقب أزمته مع السعودية، فغزت الصور المذيلة بتوقيعه اللوحات الدعائية على الطرق. لكنه عاد وتموضع في الطرف الآخر، ويسعى إلى تشكيل لائحة مستقلة عن رفاق الدرب السابقين بعد تعذر الاتفاق مع النائب السابق وجيه البعريني.
أما المرشح محمد سليمان المدعوم أيضاً من خاله النائب السابق جمال إسماعيل، فيرى أنه الأحق بالنيابة، خصوصاً أن تيار المستقبل كان قد رشّحه في انتخابات عام 2009 قبل أن يعود ويستغني عنه. لذلك، إن المعلومات التي جرى تداولها عن حسم الحريري خياره بالمضي بترشيح سليمان لم تكن مفاجئة.
وتفيد المعطيات بأن سليمان (أبو عبد الله) بدأ حملته الانتخابية على شكل واسع لتأمين أكبر حشد مستقبلي ممكن.
أما المرشح البدوي، الذي كان أيضاً رئيس بلدية الرامة ــ جرمنايا، فقد حسم أمره بالترشح مع قوى الثامن من آذار ويعمل مع النائب السابق وجيه البعريني على تشكيل لائحة، مستنداً إلى الخدمات والأعمال الإنمائية التي قام بها في بلدته.
«لا يمكن تيار المستقبل تغييب تمثيل منطقة وادي خالد ومحيطها بكل ما فيها من شرائح اجتماعية، فهي تشكل قوة فاعلة لها حضورها وثقلها على الصعيدين السياسي والشعبي»، يقول أحد وجهاء العشائر. يؤكد الأخير «أن للوادي خصوصية، إذ يشكل رابط الدم أساس التنظيم السياسي، وبالتالي الأصل هو في إثارة العصبية التي تعمل جاهدة للحفاظ على الوحدة العشائرية وعدم تفككها، كذلك تبقى جاهزة وتحت الطلب في أية لحظة».