لا يكاد يسلم حزب في لبنان من «لعنة» الترشيحات إلى الانتخابات النيابية. القوات اللبنانية في قضاء زغرتا جزءٌ من هذه المنظومة؛ فقرار قيادة «القوات» ترشيح نقيب المهندسين السابق في الشمال ماريوس بعيني، عن أحد المقاعد المارونية الثلاثة في قضاء زغرتا، أثار موجة اعتراض داخل صفوف القواتيين في المنطقة. وصل الأمر إلى حدّ تعليق مُنسّق القضاء في الحزب فهد جرجس عمله الحزبي. الخطوة احتجاجية، ولكنّ أحد المسؤولين القواتيين في زغرتا يقول إنّ «جرجس علّق عمله بسبب سفره حالياً إلى الخارج».
طرفا الصراع القواتي ــ القواتي في زغرتا هما بعيني (من بلدة مجدليا) من جهة، والمنسّق السابق للعلاقات السياسية في قضاء زغرتا – الزاوية في «القوات» سركيس دويهي، من جهة أخرى. وقد سرت أخبارٌ أنّ الأخير قدّم استقالته من الحزب، إلا أنّه نفى ذلك في اتصال مع «الأخبار». جزءٌ من القاعدة القواتية كان يطمح إلى أن يكون دويهي مُرشح الحزب على اللائحة، قبل أن يحسم «رئيس الحزب سمير جعجع والأمينة العامة للقوات شانتال سركيس الخيار، عبر إصرارهما على بعيني».
مُشكلة المُعترضين القواتيين في زغرتا مع بعيني هي أنّه أولاً من خارج مدينة زغرتا، وثانياً أنّه «خلال تسلّمه مهماته كمُنسّق للقضاء، انقسم القواتيون إلى أجنحة عدّة، ولم يكن الأداء جيداً. استدعى ذلك تدخّل جعجع عبر إقالة بعيني وتعيين فهد جرجس مكانه». والأخير، ضابط سابق في «القوات» أيام الحرب الأهلية، وعلى علاقة جيدة مع رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض. فالسؤال الذي يطرحونه، في هذه الحالة، أنّه «إذا كان هناك مسؤول أُقيل من مركزه بسبب شرذمته الحزب، فلماذا يُعاد ترشيحه إلى الانتخابات النيابية؟».
القصّة بدأت حين طرح سركيس دويهي ضرورة ترشيح أحد القواتيين الحزبيين إلى الانتخابات في زغرتا. تحرّك «الشارع» القواتي، ضاغطاً على قيادة معراب من أجل أن يكون المُرشح الحزبي من زغرتا ــ الزاوية، «وكان دويهي يرى أنّه بسبب هذا الشرط، سيرسو الاختيار عليه». إلا أنّ «الصفعة» المعرابية كانت بترشيح ماريوس بعيني، ما أثار زوبعة داخلية في القضاء، و«حرباً» على مواقع التواصل الاجتماعي بين الفريقين: بعيني ودويهي.

وصل الخلاف بين القواتيين في زغرتا إلى حدّ تعليق مُنسّق القضاء فهد جرجس عمله الحزبي



بحسب معلومات «الأخبار»، حاول سركيس دويهي التلويح بأنّ «اختيار المُرشح من خارج المدينة سيجعلنا نقترع لمصلحة ميشال معوض، أيّاً تكن اللائحة التي يترشح عليها، وبأنّه سيستمر في ترشحه إلى الانتخابات». إلا أنّ دويهي يتحفّظ على مناقشة الخلاف في الصحافة، «لأنّ هذه أمور تُعالج ضمن البيت الداخلي». سيلتزم بخيار «القوات»، ولن يتقدّم بطلب ترشّحه. أما ماريوس بعيني، فيرى أنّ حالة الاعتراض «الصغيرة انتهت، وما حصل كان أمراً طبيعياً. البعض كان يُفضّل أن يكون هو المُرشّح». نقيب المهندسين السابق تقدّم أمس بطلب ترشحه إلى وزارة الداخلية، «وبعد أسبوع سنُطلق الماكينة الانتخابية».
لم تكن تلك المرّة الأولى التي تردّ فيها معراب قسماً من الحزبيين في زغرتا خائبين. فالقيادة القواتية لم تستجب لهم أيضاً، «حين طلبوا أن يتم التحالف مع أشخاصٍ قريبين من خطّهم السياسي، كميشال معوض، الذي يتقاسم جزءاً من الناخبين مع القوات». صحيحٌ أنّ معوض لم يحسم بعد تحالفاته الانتخابية، ولكنّه بات أقرب إلى خطّ التيار الوطني الحرّ.
حالة الاعتراض على اختيار المُرشحين إلى الانتخابات عانت منها «القوات» سابقاً في طرابلس، والبترون، وجبيل، وكسروان، وزحلة، وجزين... إلا أنّ وقعها «الأسوأ» سيكون في «الشمال الثالثة»، في حال لم تُلملم ذيولها؛ فالدائرة التي تضم أقضية بشرّي ــ زغرتا ــ الكورة ــ البترون، تملك فيها «القوات» حالياً أربعة مقاعد، وتعتبرها «عرينها»، كما أنّه يُنظر إلى هذه الدائرة على أنّها الميزان لتحديد «الشرعية المسيحية»، كونها تضم 10 مقاعد مُخصّصة للطائفتين المارونية والارثوذكسية. تُحاول «القوات» قدر الإمكان الحفاظ على وجودها فيها، ولكن المهمة ليست سهلة، بوجود «صراع صامت» بين النائب أنطوان زهرا ومناصريه من جهة، والمُرشّح القواتي في البترون فادي سعد من جهة أخرى. وآخرها، إيحاء الأخير أنّ زهرا يعمل ضدّه في البترون. والثاني، هو التوتر الجديد في زغرتا. كذلك فإنّه لا يُمكن الاستخفاف بالجوّ المعارض لـ«القوات» في بشرّي، وبمدى إمكانية الماكينة الحزبية تقسيم أصواتها بين النائب ستريدا جعجع والمُرشح الثاني جوزف إسحاق. أما النائب فادي كرم، فهو مُرتاح إلى وضعه. انطلاقاً من هنا، برز رأي من أحد المسؤولين الرسميين في معراب أنّ «خيارَي فادي سعد وماريوس بعيني سيُخسّراننا، ما يؤدي إلى أن نكون مُنطلقين في هذه الدائرة من خسارة لمقعدين».