لم يترك السعوديون لبنان في يوم من الأيام، لكن شكَل حضورهم كان يختلف من مرحلة إلى أخرى. في السنة الماضية، وتحديداً بعد احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، من الرياض، بدا أن المملكة انتقلت لبنانياً، من الدفاع إلى الهجوم، بلا أي تمهيدات.
سرعان ما سقط «الهجوم السعودي»، في غضون أيام قليلة. ليس بسبب عضلات اللبنانيين، بل بفعل قرار دولي كبير يمنع المس بمظلة الاستقرار اللبناني لاعتبارات شتى، محلية وإقليمية ودولية.

مع دعوة الحريري رسمياً إلى السعودية، قبل أسبوع، تكون الرياض قد قرّرت التعامل بطريقة مختلفة. لا انكفاء ولا هجوم، بل محاولة تحسين موازين قوى لمصلحتها من دون معاندة الوقائع اللبنانية.
اختارت السعودية، وبدفع إماراتي ــ أميركي، الاستحقاق النيابي لتوجيه رسالة إلى الداخل والخارج بأن لبنان ليس متروكاً، ما يعني أن مسار الانتخابات النيابية «لن يكون سهلاً جداً»، كما كان يشتهيه البعض لبنانياً أو إقليمياً. أولى رسائل السعوديين وصلت مع الجولة التي قام بها موفدها إلى بيروت نزار العلولا في الأسبوع الماضي على عدد من القوى السياسية، وخصوصاً زيارة سمير جعجع في معراب. في هذا الإطار، عُلم أن مُوفداً وزارياً سعودياً سيصِل الى لبنان في غضون أسبوع، على الأرجح، لاستكمال جولة الأسبوع الماضي ولقاء شخصيات لبنانية جديدة ستستمِع من ضيفها إلى وجهة الرياض في التعامل مع حزب الله وحلفائه في المرحلة المُقبلة، فضلاً عن توجيه دعوة رسمية جديدة للبطريرك الماروني بشارة الراعي لزيارة المملكة.
قبلَ مُغادرتِه الرياض، لم يكُن الحريري قد وضع محيطه السياسي الضيق في أجواء ما سمِعه في السعودية، وهو الذي تواصل مع نادر الحريري والوزيرين نهاد المشنوق وغطّاس خوري، دون أن يدخل مع أحد منهم في تفاصيل رحلته الرسمية الأولى من نوعها للمملكة.
وفق العارفين، كانت الزيارة مقررة، لكن موعدها حدد في الأسبوع الماضي، ونتائجها «إيجابية» يقول المحيطون بالحريري، أقلّه في الشكل، وهو ما أوحَت به الصورة التي نشرها الحريري مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وشقيقه خالد (سفير السعودية في واشنطن)، ولو أن الأول تقصّد عدم لقائِه في اليومين الأولين من الزيارة، ما دفع الحريري إلى تمديدها بعدما كان من المقرّر أن يعود مساء يوم الجمعة الماضي (في المقابل، يقول مصدر وزاري لبناني إن الحريري التقى محمد بن سلمان ثلاث مرات في أيام زيارته الأخيرة). وبالتالي يُمكن البناء على هذه «الشكليات» التي عزّزها مشهد الخروج من المملكة، حيث كان في وداع الحريري، أمير الرياض فيصل بن بندر بن عبد العزيز وسفير لبنان في السعودية فوزي كبارة، ومندوب عن المراسم الملكية.

مُوفد وزاري
سعودي سيصِل إلى لبنان خلال أسبوع



وبالرغم من عدم صدور أي بيان رسمي عن نتائج مُحادثات الحريري مع الملك السعودي سلمان عبد العزيز وولي العهد، فقد شكّلت مشهدية الاستقبال والوداع، إشارة إلى كون الأخير، «لا يزال يتقدم الآخرين وهو حليف رئيسي وأساسي في لبنان»، وهي إشارة ستصبّ حتماً لمصلِحته في الانتخابات، ما من شأنه تحسين وضعيته وتحصينها في شارعه، على حد تعبير المقربين منه.
هل تكون عودة الحرارة إلى العلاقات بين الحريري والمملكة بلا ثمن، وهل هي عودة مشروطة بتفاهمات ذات صلة بالانتخابات والمرحلة السياسية التي تليها؟
حسب المعلومات التي استقتها «الأخبار»، من مصدر مواكب، «لم تطلُب الرياض اصطفافاً سياسياً صدامياً يُعيد إلى الأذهان مشهد عامَي 2005 و2009 ولم تطلب مواجهة حزب الله بالقوة، بل قرّرت أن تتعامل مع الساحة اللبنانية بشكل ناعم، بما يُعيد التوازن الذي يمنع حزب الله وحتى التيار الوطني الحرّ من السيطرة على مفاصل الدولة».
ولم يكُن صدفة أن توقيت التحرك السعودي باتجاه الحريري أتى قبل الإعلان النهائي عن طبيعة التحالفات التي يرسِمها تيار المستقبل لخوض الانتخابات التشريعية. وفيما ذكر مسؤولون في «المُستقبل» أن السعودية «طلبت من الحريري عدم التحالف مع التيار الوطني الحرّ، وتحديداً في دوائر بيروت الأولى وزحلة وصيدا - جزين»، ذكرت مصادر أخرى في التيار الأزرق أن السعودية لم تلزم الحريري بأي خيارات انتخابية، داعية إلى عدم القفز «إلى أي استنتاجات متسرعة منذ الآن».
وفيما تؤكد قيادات في المستقبل أن زيارة الرئيس فؤاد السنيورة في دارته في بلس (بيروت) كانت مقررة قبل زيارة السعودية، يشير آخرون إلى أن هذه الزيارة وإعادة ترشيح رئيس الحكومة الأسبق للانتخابات عن دائرة صيدا ــ جزين، هي نتاج الرحلة السعودية، وقال هؤلاء إن مبادرة الحريري، استناداً إلى «الهمس السعودي»، «محاولة تعويض ونوع من الاعتذار عن تعاطي الحريري معه طوال الفترة السابقة»، وأشاروا إلى أن هذا الجو كان قد بلغ السنيورة عبر نزار العلولا.
ومن المتوقّع أن يعلن السنيورة، الذي كان قد طلب مهلة لحسم خياراته، عزوفه عن الترشّح للانتخابات، في مؤتمر صحافي يعقده اليوم في مجلس النواب، على أن يبقى هو رئيس كتلة المستقبل في مرحلة ما بعد الانتخابات، إذ أكدت مصادر مطلعة على مضمون اللقاء أن السنيورة «لم يبدُ متحمساً للفكرة التي طرحها الحريري، وهو الذي رفض هذا الطلب سابقاً قبل سفر رئيس الحكومة». غير أن قبول السنيورة أو رفضه، لا يلغي حقيقة أن المملكة قررت انتهاج سياسة جديدة ستطوي حقبة ضبابية شابت علاقتها بلبنان، وخصوصاً بعد استقالة الحريري.
وكان الحريري قد أشار بعد لقائه السنيورة إلى «أننا تحدثنا عن التطورات والأحداث التي جرت خلال زيارتي للسعودية والتي كانت ناجحة، حيث قمت بالعديد من اللقاءات مع المسؤولين السعوديين، وكان هناك اتفاق على حضور المملكة في مؤتمرَي روما وباريس»، مُوضحاً أن الشكوك حول علاقتي بالسعودية غير صحيحة، والعبرة بالنتائج. وسنرى دعم السعودية للبنان وسعد الحريري».
وبعدما كان يفترض أن يعلن الحريري يوم السبت الماضي أسماء مرشحيه وبرنامجه الانتخابي، رجحت مصادر ماكينته الانتخابية الإعلان عن ذلك في نهاية الأسبوع الجاري.




القوات تلتقي الحريري اليوم

فور عودته من السعودية، أجرى الرئيس سعد الحريري، ليل أمس، سلسلة اتصالات، أبرزها بالرئيسين ميشال عون ونبيه بري. ويحفل جدول أعمال الحريري اليوم بلقاءات عدة، أبرزها ترؤسه اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة درس مشروع قانون موازنة العام 2018، واجتماعه ليلاً بموفد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الوزير ملحم الرياشي، بحضور الوزير غطاس خوري. واكتفت مصادر قواتيّة بالقول عن زيارة الحريري للسعودية: «الأجواء إيجابية جدّاً».