أعلن المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيّد ترشيحه إلى الانتخابات النيابية كمرشّح «مستقل» في تحالف قوى 8 آذار في دائرة بعلبك ــ الهرمل عن أحد المقاعد الشيعية.
وأكّد السيد خلال مؤتمرٍ صحافي عقده أمس، أنه لن يكون «عضواً في أي كتلة نيابية، لكني لست محايداً». وشدّد على ضرورة وجود جيش لبناني قوي «الممنوع عليه أميركياً وأوروبياً أن يملك أسلحة تردع إسرائيل أو تؤمن الحد الأدنى من التوازن العسكري معها»، مؤكّداً «ضرورة وجود هذا التكامل بين الجيش والمقاومة، فحيث يكون الجيش يكون هو المقاومة وحيث لا يكون تكون المقاومة». واعتبر أن «الفساد هو العدو الثاني للبنان، يوازي ويفوق إسرائيل». وخاطب السيد ناخبيه في بعلبك ــ الهرمل بالقول «أنا منكم، لست غريباً عن المنطقة وأعرفها بيتاً بيتاً في السلم والحرب. أنتم لديكم مشكلة مع الدولة التي لا تعرفكم إلا في المداهمات وإصدار مذكرات التوقيف. هناك إهمال تاريخي للمنطقة أكثر من أي مكان آخر. هذه المنطقة التي دفعت الكثير من الشهداء في كل المراحل وعلى مدى سنوات».


وتابع أن «اليوم هناك سياسة وهناك أشخاص ضد المقاومة يهاجمونها. هؤلاء يدلون أهالي بعلبك الهرمل على النقص الموجود في المنطقة (جورة، مدرسة، طريق...) وذلك كي تنسى الدم الذي أهدر. أنا أقول لهم إن المنطقة بقيت لست سنوات تحت الارهاب، فأين كانت الدولة؟». وختم السيد بالقول: «لا تنسوا أن معركة البقاع كانت معركة حياة وموت، ومن يدلك اليوم على الجورة في الطريق يريد أن ينسيك الدم والخوف والقلق الذي عشته لتعطي صوتك لأحدهم»




ترشيح اللواء جميل السيّد للانتخابات النيابية ليس الأول لضابط. قبل الحرب، فؤاد لحود ونجيب الخوري، وبعد الطائف، سامي الخطيب وميشال عون وادغار معلوف وشامل موزايا وأنطوان سعد وجان أوغاسبيان. جاء الخطيب ومعلوف إلى البرلمان من عالم الاستخبارات بعدما تزاملا معاً في ظلّ قيادة غابي لحود الشعبة الثانية في الستينيات، ثم اشتبكا عامي 1988 و1989 إبان حقبة الحكومتين. هو عالم الاستخبارات نفسه يجيء منه ترشيح السيّد، لكن ــ على غرار عون ــ معاكساً قدر اللعبة السياسية.
حينما انتخب العماد ميشال عون نائباً عام 2005 كان قد خلّف وراءه 15 عاماً ليس في المنفى فحسب، بل أيضاً كمّاً ضخماً من اتهامات سيقت إليه منذ عام 1990 بالتمرد واغتصاب السلطة واختلاس الأموال إلى حدّ التعامل مع العدو، أُحيل بها على المجلس العدلي. قفز من فوقها كلّها حينما عاد، وقد انقلبت المعادلة المناوئة له رأساً على عقب، بعدما ساهمت قوى الداخل، المتحالفة مع سوريا والمنقلبة عليها، في التأليب عليه في انتخابات 2005. قدر الرجل كان أقوى بوصوله إلى رئاسة الجمهورية.
منذ اليوم الأول لتعيينه على رأس استخبارات البقاع، في توقيت متزامن مع وصول الرجل الذي حكم لبنان أو يكاد، غازي كنعان، في الأول من تموز 1983، رافق اللواء جميل السيّد صعود المعادلة في البقاع بداية، إبان ولاية الرئيس أمين الجميل، ثم في مرحلة ما بعد الطائف مسؤولاً عن أمن رئيس الجمهورية الياس الهراوي، فمساعداً لمدير المخابرات (1991 ــ 1998)، ثم مديراً عاماً للأمن العام (1998 ــ 2005)، إلى أن انهارت المعادلة تلك بحدثين استكمل ثانيهما الأول: اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد أشهر على صدور القرار 1559. وقتذاك صار حلفاء سوريا الساهرون على المعادلة تلك اثنين: فريق ظلّ إلى جانبها، وآخر لم يكتفِ بالانقلاب عليها بل عمل على تقويضها بالاشتباه. لم يسقط الرئيس إميل لحود بعد جلاء سوريا، وإنما كلّ مَن كان حوله بدءاً بما شاع أنه النظام الأمني، ورأس حربته السيّد. اشتبه بتورّطه وثلاثة ضباط باغتيال الحريري مع ضباط سوريين كبار، فاعتقل أربع سنوات بُنيت على شهود زور كان أوّل من تنصّل منهم ولي الدم، الرئيس سعد الحريري، عندما صالح سوريا وبرّأها عام 2010 من منبر سعودي هو جريدة «الشرق الأوسط» من دم أبيه، واعترف بخطأ الإساءة إليها. بعد أقل من شهرين على تأليفها، برّأت المحكمة الدولية السيّد والضباط الثلاثة من أيّ اشتباه وليس تهمة فحسب في اغتيال الحريري، وعاد مواطناً حرّاً بحسب ما قال آخر رؤساء لجنة التحقيق الدولية دانيال بلمار.
في السنوات الأربع من الاعتقال لرجل حمل طوال عقد ونصف عقد من الزمن الملفين الأكثر وطأة في نظام بعد الطائف، العلاقة مع سوريا والمقاومة، انكبّ على ملف واحد اقترنت فيه استعادته حريته بإدانة الطبقة السياسية التي تغذّت من اغتيال الرئيس الراحل. لم تكن مصادفة أن أوان سقوط قوى 14 آذار افتتحته انتخابات 2009 بانسحاب وليد جنبلاط منها بعد شهرين، بعد أقل من ثلاثة أشهر على إطلاق السيّد والضباط.

بعد أقل من
شهرين على تأليفها، برّأت المحكمة الدولية السيّد والضباط الثلاثة من أيّ اشتباه


ليست استعادته حريته أول عهده بالمواجهة مع أكثر من عدوّ: شهود الزور، لجنة التحقيق الدولية، القضاء اللبناني، قوى 14 آذار، بعشرات المذكرات كتبها من وراء قضبان رومية ثم في السنوات التالية. في عامي 2011 و2012 انتزع من المحكمة الدولية قرار تسليمه مئات الصفحات من وثائق التحقيق الدولي تبيّن أنّها تدين الضالعين الفعليين في توقيفه، فإذا شهود الزور الصغار من صُنع شهود زور كبار سمّتهم وثائق ويكيليكس.
بعد استقالته من الأمن العام عشية انتخابات 2005 امتنع عن الترشح كي لا يُتّهم بتلطيه بحصانة. بعد إطلاقه عام 2009 عشية الاستحقاق التالي لم يترشّح أيضاً قبل تصفية الحساب مع الخصوم السياسيين. عام 2014 ترشّح، بيد أن الانتخابات لم تقع بعد تمديد ثانٍ للولاية. في المرة الرابعة يصوّب على مرحلة جديدة لم يتغيّر فيها خصومه، ولم يتغيّر هو حيال حلفائه. الأصح أنه ترشيح ردّ الاعتبار.
هو الرجل المخضرم في لعبتين متنافرتين، الامن والسياسة، عابراً من مرحلة ما قبل الطائف إلى ما بعده من خلالهما. يعرف عندما يخسر، ويعرف أكثر قبل أن يربح.