رغم مواصلة اللجنة الوزارية درس مشروع موازنة 2018 وطلب الرئيس سعد الحريري منها استمرار جلساتها من دونه بسبب اضطراره للسفر إلى السعودية (تعقد جلسة اليوم برئاسة نائب رئيس الحكومة)، تسرّبت معطيات عن وجود نقاش جدّي حول إمكان تأجيل الموازنة إلى ما بعد الانتخابات النيابية. الكلّ يتملّص من مسؤولية فتح هذا النقاش أو حتى طرحه كمخرج للهروب من العجز الخطير والمتفاقم في الموازنة بعدما تبيّن أنه سيبلغ 12 ألف مليار ليرة، إلا أنهم يعون أن الهروب يشكل إحراجاً للبنان والتزاماته أمام الدول المانحة بإنجاز الموازنة قبل انعقاد مؤتمر باريس 4.
وكانت اللجنة الوزارية قد واصلت عقد اجتماعاتها المخصصة لدرس الموازنة، وبحسب ما قالت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار»، اتفق أمس على تطبيق تعميم رئيس الحكومة الرامي إلى خفض موازنات الوزارات والإدارات العامة بنسبة 20%، على ألا يطال هذا الخفض الرواتب والأجور، فيما تبقى ملحقاتها خاضعة له. فهناك عدد من التقديمات الملحقة بالراتب ستخضع لعملية اقتطاع إجبارية اتفق على بعضها في جلسات سابقة للجنة، مثل تقديمات المنح المدرسية لموظفي القطاع العام والمكافآت والساعات الإضافية وغيرها.
كذلك، ناقشت اللجنة اقتراحاً كان قد عرضه وزير المال علي حسن خليل في مجلس الوزراء عندما نوقش مشروع موازنة 2018 لأول مرّة. يومها تحدّث خليل عن قيام وزارة المال بإجراء عمليات مبادلة على سندات الدين بين مصرف لبنان ووزارة المال بما يؤدي إلى خفض الدين العام، لكن لم تحدّد قيمة العمليات ولا أثرها على الدين العام، بل قيل كلام عام عن أنها ستؤدي إلى خفض كلفة الدين. وبحسب النقاشات التي جرت أمس في اللجنة، اتفق على أن تقوم وزارة المال بإجراء عملية مبادلة للديون مع مصرف لبنان بقيمة 6 مليارات دولار، وبنتيجتها يكتتب مصرف لبنان بسندات خزينة بفائدة 1%، ما سيكون له تأثير حيوي على كلفة الدين العام. أما نتائج هذه العملية وأثرها على الدين العام، فلن يتضحا قبل أن يتم الاتفاق على شرائح السندات التي ستخضع لعملية المبادلة وأجلها. هذه العملية ستؤدي حتماً إلى خفض كلفة خدمة الدين، إلا أن أثرها التضخّمي ليس محسوباً، لأنها في النهاية عبارة عن عملية طبع عملة لإطفاء ديون، وإجراء كهذا لا يمكن مواصلة القيام به إلا في ظروف دقيقة وضيّقة.
واتفق في اللجنة أمس على إحالة موضوع «التدبير رقم 3» الخاص بالجيش إلى الرؤساء الثلاثة، على قاعدة أن الأطراف السياسية لا تسعى إلى أي سجال مع قيادة الجيش على خلفية طرح إلغاء هذا التدبير أو اقتراح آليات لتخفيف كلفته، علماً بأن انعكاس هذه الكلفة على الموازنة يعدّ سلبياً وينمو مع ارتفاع العديد، أي إن الكلفة متحركة.
يشي هذا الأمر بأن مقاربة اللجنة لا تخلو من الرؤية الانتخابية، وهو ما يتعزّز بالإشارة إلى موضوع الزيادة المقترحة للقضاة على سلاسل رتبهم ومنحهم درجتين، فهل يمكن تبديد أموال الخزينة العامة في ظل هذا الوضع المأساوي للموازنة والعجز؟ ويضاف إلى هذا الأمر أنه كان هناك اقتراح من مستشار رئيس الحكومة نبيل يمّوت لخفض عدد ملفات الاعتراضات على الغرامات والضرائب في وزارة المال، أي الموافقة على الاعتراضات المتراكمة لدى لجان الاعتراض ما يوفّر للخزينة إيرادات سريعة ومباشرة ويخفف من كلفة اللجان وتضييع الوقت في درس القوانين التي تتيح لهذا المكلف أو ذاك الاستفادة من حقّ الاعتراض على ما يكلّف به من ضرائب ورسوم، إذ إن الموافقة على الاعتراضات تتيح لهؤلاء تسديد ضرائبهم سريعاً.
ومن خارج اللجنة، ظهرت معطيات عن نقاش بين بعض أطراف السلطة لتأجيل درس الموازنة إلى ما بعد الانتخابات النيابية. القراءة العونية في هذا المجال تشير إلى أن تقديم الموازنة وأرقامها بشكل متقطع يوحي بأن هناك من يسعى لإرباك عمل اللجنة الوزارية وإغراقها تدريجاً بملفات لا قدرة لها على معالجتها بشكل جذري وضمن منهجية واضحة، لا بل إن بعض المقاربات لملفات مطروحة للنقاش تبدو في غير سياقها الطبيعي؛ فعلى سبيل المثال، لماذا ظهرت فجأة أرقام جديدة لكلفة سلسلة الرتب والرواتب، وفجأة تذكرت وزارة المال أن هناك 100 مليار ليرة للمؤسسة العامة للإسكان، علماً بأنها حاولت إخفاء أرقام كلفة دعم الكهرباء وإبقاءها خارج الموازنة للتخفيف من أرقام العجز. هذه القراءة تشير إلى أن تأجيل الموازنة إلى ما بعد الانتخابات يشكّل مخرجاً للجميع من مسألة العجز المتفاقم، لكنه مخرج مُحرج، نظراً إلى قرب موعد مؤتمر باريس 4 والطلب الفرنسي من لبنان بأن يكون لدينا موازنة وقطع حساب قبل المؤتمر، لذا قد تكون القصة في مسألة بواخر الكهرباء التي كان هناك إصرار عليها من رئيس الجمهورية وانعكاسها الكبير على العجز.
وفي المقابل، نقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس استغرابه الحديث عن أن هناك سعياً لتطيير الموازنة أو فرملتها، ولا سيما أنه اتفق عليها في اجتماع المصالحة الذي عقد في بعبدا، وقال إنه يجب إقرار الموازنة قبل مؤتمر باريس 4 لأنها «مسألة أمن وطني».