قبل أيام، توجه مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد إلى فلسطين المحتلة، آتياً من لبنان. عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، سياسيين وعسكريين، في مسعى منه لإيجاد صيغة حل بين الاحتلال ولبنان لأزمة الحدود البرية والبحرية، وما يتصل بها من خلاف على النفط والغاز قرب الحدود. وعلى هذه الخلفية، التقى المسؤول الأميركي وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، الأحد الماضي، وعاد والتقاه أول من أمس، في موازاة لقاءات جمعته في الأيام الماضية مع مسؤولين رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي. أما بقية جدول أعماله في كيان العدو ولقاءاته، طوال الأيام الماضية، فبقي عمداً طي الكتمان، بلا إعلان ولا تسريبات.
اللافت أن أخبار لقاءات ساترفيلد في إسرائيل ومضمونها، وكذلك التصريحات والتعليقات المتعلقة حولها، مقلصة جداً إلى حد تكاد تفتقر فيه إلى التغطية الاعلامية، إلا ما يتعلق بتسريب أو خبر في أحد المواقع الإخبارية العبرية، أو تغريدة لأحد المراسلين على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما معظم المقاربة والتغطية الخبرية هي نقل عن وسائل الإعلام في لبنان.
الواضح أن السلطات الإسرائيلية رفعت موضوع الخلاف بينها وبين لبنان ومستواه، إلى موضوع أمن قومي (وهو كذلك)، ما يفسر «شبه السكوت» حوله رغم أهميته وحضوره الكبير في التداول (غير المعلن) في تل أبيب. يُضاف إلى ذلك أن الأيام والأسابيع الماضية، حملت الكثير من التهديدات المباشرة لإسرائيل من لبنان، كان أهمها ما ورد على لسان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، فضلاً عن تصريحات المسؤولين اللبنانيين. لكن يبقى الأساس من ناحية إسرائيل، وفي مقدمة اهتماماتها، تهديدات حزب الله بإمكان حرمانها (إسرائيل) التنقيب عن الغاز واستخراجه.

أفيغدور ليبرمان: هناك
طريقة مقبولة لحل سجال
من هذا النوع


للدلالة على الحد الذي وصلت إليه الرقابة، أو في حد أدنى «التمنيات» على الإعلام العبري، صدرت تقارير صحفية إسرائيلية بعد عودة ساترفيلد إلى تل أبيب، أشارت إلى أنه «وفقاً لتقارير صدرت في لبنان، ساترفيلد موجود في إسرائيل لإجراء لقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين من أجل التوصل إلى حل في موضوع الخلاف على الغاز مع لبنان». وهي رقابة أو «تمنيات»، انصاعت لها وسائل الإعلام العبرية، إلا ما ندر. الأمر الذي يعني أن إسرائيل لا تريد تصريحات أو تعليقات من شأنها أن تفسر في الجانب الثاني تهديدات، أو أي تفسيرات أخرى، تضرّ بإرادة التسوية التي تسعى إليها في الموضوع الغازي، لتعذّر حلول متطرفة غير متاحة عملياً لديها.
من ناحية ثانية، واضح جداً غياب التهديدات من الجانب الإسرائيلي. مع التشديد من تل أبيب، على «التفاؤل» الموصوف بالنسبي، وعلى «الحل السلمي»، وعلى «ضرورة مراعاة مصلحة الطرفين». وهي إشارات وردت حصراً في الأيام القليلة الماضية، ضمن تصريحات مقتضبة صدرت عن وزير الطاقة، يوفال شتاينتس.
في سياق ذلك، لا يعدّ موقف وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، تهديداً أكثر منه دعوةً للتسوية من موقع مَن يحاول الإيحاء بالاقتدار، وإن كان الموقف في معانيه المباشرة يحمل قدراً من التهديدات. ليبرمان أشار، وكما جاء في الإعلام العبري رداً على تهديدات صدرت من لبنان تتعلق بالبلوك 9، إلى أن «هناك طريقة مقبولة لحل سجال من هذا النوع. وإذا كان اللبنانيون لا يريدون الحل ويريدون مواصلة الجدال، فهم بلا شك سيخسرون من ذلك».
بناءً على لقاءات ساترفيلد في تل أبيب، كما يرد عنها من تسريبات وتعليقات عبرية محدودة جداً، تتضح جملة من الحقائق التي تحكم الموقف الإسرائيلي، وتحكم أيضاً «تفاؤله» المعلن:
موقف العدو «أضعف» من الموقف اللبناني. فأي تهديد إسرائيلي سيرتد أضراراً على مصالح إسرائيل، بما يتجاوز الرقع الجغرافية موضع الخلاف بين الجانبين. فالعدو بات يملك قطاعاً نفطياً ناشطاً، تقدّر قيمته بمليارات الدولارات، في مقابل صفر دولار في لبنان. وبناءً على ذلك، أي معركة عسكرية تلجأ إليها اسرائيل أو تهدّد بها، ستؤدي إلى خسارة هائلة لديها، في ظل قدرة المقاومة على إجبار العدو على وقف أنشطته النفطية والغازية في البحر الفلسطيني.
قراءة متأنية لتصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قبل أسابيع حول أحقية إسرائيل بكامل البلوك 9 واستناداً إلى «كل المعايير»، تطرح أسئلة كبيرة عن سبب العدو وامتناعه طوال الأشهر الماضية، عن التصريح والجهر بموقفه و«حقوقه غير القابلة للجدال»، وذلك كله في موازاة استكمال دورة التراخيص في لبنان وإعلان تلزيم البلوك 9، وكذلك توقيع الاتفاق بشأنه بين لبنان والشركات النفطية.
ويمكن الاستنتاج أن إسرائيل درست خياراتها جيداً، إلى حد الإفراط، إلى أن توصلت إلى نتيجة مفادها أن استخدام القوة العسكرية ــ أو التهديد باستخدامها ــ لن تجدي نفعاً، وإلا كانت عمدت إلى المواقف المتطرفة بلا إبطاء، دون أن تعمد إلى طلب «الحلول السلمية والتسويات»، على غير عادة، وخاصة أن البلوك 9، كما يقول ليبرمان: إسرائيلي بكل المعايير.
واضح أيضاً وجود التزام أميركي بالتوصل إلى «تسوية سلمية» للخلاف القائم، ربطاً بالإدراك الأميركي ــ الإسرائيلي، أن لا حل مغايراً بمقدور إسرائيل اتباعه في وجه اللبنانيين. وهو ما يفسر، كما يرد في تغريدة لموقع قناة «كان» العبرية (شبه الرسمية)، أن ساترفيلد سيبقى في المنطقة إلى حين التوصل إلى تسوية ترضي الطرفين، فيما أضافت القناة السابعة العبرية، في تقرير لها، أن المبادرة الأميركية لإيجاد تسوية بين لبنان وإسرائيل على خلفية الخلاف الغازي، تتحرك منذ أشهر وليس منذ أسابيع. وهذه الحقيقة معطوفة على الحقيقة الأولى (غياب التهديدات)، تعني بداهة أن الموقف الإسرائيلي المتخذ قضى بضرورة «التسوية» وليس استخدام القوة أو التهديد بها، لتعذّر الخيار الأخير (القوة). ويشير أيضاً إلى أنه قرار اتخذ منذ أشهر، أي ما قبل التوقيع على الاتفاق بين لبنان وائتلاف الشركات الدولية الثلاث، مع إشراك الأميركيين، كما يبدو، في الترويج للحل التسووي، وتسويقه لدى لبنان.
وكانت قناة «كان» قد أشارت في تقرير مختصر عن ساترفيلد في تل أبيب، بعد أيام على زيارته، إلى أنه «فيما تعرب إسرائيل عن تفاؤلها النسبي بإيجاد حل للخلاف مع لبنان على خلفية الغاز المتنازع عليه، إلا أن لبنان من جهته، ما زال يطلق التهديدات بأنه سيواجه العدوان الإسرائيلي على حدوده». لكن بحسب ما يرد في التقرير نفسه، فإن الوساطة الأميركية ما زالت تتحرك رغم هذه التهديدات، و«المتوقع أن يواصل ساترفيلد رحلاته المكوكية في المنطقة، ومن المتوقع أن يعود إلى لبنان قريباً، لمواصلة الوساطة».
ويلفت تقرير القناة إلى أنه في إطار «جهود الوساطة المحمومة» بين إسرائيل ولبنان على خلفية النزاع الغازي بينهما، قابل ساترفيلد للمرة الثانية الوزير شتاينتس وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، في محاولة للتوصل إلى حل بشأن هذه المسألة، فيما أكدت القناة السابعة العبرية، نقلاً عن مصادر شددت على أنها مطلعة، أن «رحلات ساترفيلد المكوكية بين إسرائيل ولبنان، تهدف إلى إيجاد حل دبلوماسي للخلاف، على أن يكون حلاً يجري التوصل إليه، في مدة زمنية قصيرة».




وزير إسرائيلي: إن نشبت الحرب... لا سمح الله!

نفذت وزارة التربية والتعليم في إسرائيل، مناورة لفحص جاهزية الدور والمؤسسات التربوية لمواجهة سيناريوهات حرب مفترضة، في كل أنحاء فلسطين المحتلة. المناورة، التي ليست الأولى من نوعها للجبهة الداخلية، قد لا تشير بذاتها إلى تطور أو تصعيد ما، أو حتى إلى ما يتعلق بجاهزية وتوثب مفترضين للحرب المقبلة. بل اللافت هو تصريح صدر عن وزير التربية والتعليم، عضو المجلس الوزاري المصغر، نفتالي بينيت، الذي يظهّر نفسه على أنه الصقر الأول في الحكومة الإسرائيلية. أشار بينت إلى «أن مستوى التهديد على الإسرائيليين قد ازداد، ونحن نتنبأ بأنه إذا اندلعت الحرب، لا سمح الله، فسنتعرض لأضرار لم نشهدها من قبل». وأضاف: «إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط ومستعدة لكل سيناريو، وسنقوم بكل ما يمكننا لمنع وقوع الحرب، لكن الأمر لا يتعلق بنا. إذا وقعت الحرب، لا سمح الله، فإن البلاد والبيوت قد تتضرر بصورة أشد من السابق». وتجدر الإشارة إلى أن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، سبق أن استخدم عبارة التمني نفسها، «لا سمح الله»، في حديثه عن احتمال الحرب على الجبهة الشمالية.






ضابط إسرائيلي: لا نيات لشنّ الحرب شمالاً... ولكن

أكد رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، اللواء نيتسان ألون، أن جميع الأطراف غير معنية بنشوب حرب على الجبهة الشمالية، رغم أن التقديرات تشير إلى ارتفاع معقولية نشوب الحرب في عام 2018. وبحسب الضابط الإسرائيلي، فإن هذه الحرب، إن نشبت، فستكون على خلفية التغيير الاستراتيجي مع بداية نهاية الحرب في سوريا، وليس نتيجة إرادة الأطراف. وأضاف أن «الحرب المقبلة التي ستكون قاسية على كل الجهات التي ستخوضها، ستكون أكثر قسوة على اللبنانيين، لافتاً إلى أن هذه الحرب لن تقتصر بالضرورة على حزب الله في لبنان، بل يمكن أن تجرّ إليها جهات أخرى، نتيجة إرادة جهات مقابلة توسيع المعركة».