كانت الانتخابات الداخلية التي نظّمها «التيار الوطني الحر»، في كانون الثاني 2016، «درساً» في «الديمقراطية»، مُوجّهاً إلى بقية الأحزاب اللبنانية، التي ينتهج بعضها سياسة التعيين. كذلك فإنّها أتت لتُقدّم نظرة أخرى للعمل الحزبي داخل «التيار»، بعد تنصيب الوزير جبران باسيل رئيساً له، نتيجةً للصيغة التوافقية بينه وبين معارضيه، برعاية الرئيس ميشال عون.بدا هذا المسار الانتخابي «طبيعياً» لحزبٍ ورد في نظامه الداخلي عبارة «نؤمن بنظام سياسي ديمقراطي حرّ». ولكن هذه «الديمقراطية» تبدو مُهدّدة، حين يجتمع المجلس الوطني في «التيار الوطني الحرّ» عند الساعة السادسة من مساء اليوم، ليُقرّ سلسلة من التعديلات على النظام الداخلي للحزب، أبرزها إلغاء الانتخابات في الهيئات المحلية وهيئات الأقضية، ليُصبح الأعضاء مُعيّنين من قِبَل رئيس الحزب، إضافةً إلى إدخال تعديلات على هيكلية المجلس الوطني، والتصويت على قرار يُعطي لرئيس «التيار» الحقّ في تأجيل الانتخابات الداخلية إلى ما بعد الانتخابات النيابية، وتعيين «من يراه مُناسباً» في أيّ مركز من هذه الهيئات، «بحسب ما تتطلبه عملية تحويل الهيئات إلى ماكينات انتخابية بحسب النظام».

الحُجّة التي يتمسّك بها باسيل، بحسب المتابعين، لتمرير تعديلات تسمح له بالسيطرة كلياً على منافذ القرار داخل الحزب، هي «عدم فاعلية وأهلية عددٍ من الهيئات المُنتخبة وفق النظام النسبي. وبما أنّ عمل هذه الهيئات إداري ــ تنفيذي، يُترك الانتخاب لمجالس الأقضية فقط». ولكن، إذا تبيّن بعد انتخاب هؤلاء الأعضاء أنهم غير مؤهلين لتبوّء المنصب، هل يكون الحلّ بإلغاء الانتخابات واستبدالها بالتعيينات، أو ترك القرار للحزبيين حتى يُحاسبوا هؤلاء الأعضاء في الدورة المقبلة؟ ولماذا اختيار تعديل النظام قبل الانتخابات النيابية؟ خاصة أنّ فرض التعيين هو «مشروع خلاف»، ستكون له تداعيات سلبية على العمل الحزبي، وعلى صورة «التيار الوطني الحرّ» كحزب ديمقراطي مهدّد بالتحول إلى حزب السلطة الواحدة.
ثلاث محطّات/ خضات داخلية مرّ بها «التيار الوطني الحر»، تركت ندوباً في تكوينه، بسبب النقاش حول النظام الداخلي: في عام 2006، حين اختلف الرئيس عون مع أعضاء الهيئة التأسيسية في «التيار» (كانت تضم غالبية من عُيّنوا في مناصب قيادية، قبل عام 2005) حول صلاحيات المكتب السياسي؛ ما يُعرف بـ«الثلاثاء الأسود» في عام 2008؛ عام 2014 يوم أُعيد فتح النقاش في ملف النظام الداخلي وبلغت الأمور حدّ استقالة عددٍ من الكوادر نتيجة خلافات حول آلية اتخاذ القرار في الحزب. من غير الواضح بعد، ما إذا كان سينتج من «المحاولة الرابعة» هزّة داخلية أيضاً، أو أنّ أعضاء المجلس الوطني سيُصدّقون التعديلات الجديدة، خاصة أنّ باسيل يتسلّح بالنتائج الصادرة عن الاجتماع العام الذي عُقد برئاسته، وجرت خلاله مناقشة التعديلات.
التصويت داخل المجلس الوطني سيكون على خمسة قرارات؛ الأول يتعلّق بالهيئات المحلية. ينصّ التعديل على أنّ الهيئة المحلية «تتألف من أعضاء يُعيّنهم الرئيس بناءً على اقتراح هيئة القضاء»، وشُطبت الفقرة ج من البند الأول في المادة السادسة التي فيها أنّه «يحق للأعضاء المنتخبين تعيين أعضاء آخرين تكون مناصبهم وفق اختصاصات اللجان المركزية، علماً أنّ الأعضاء المعيّنين لا يتمتعون بحق التصويت على القرارات».

الحُجّة التي يتمسك بها باسيل هي «عدم فاعلية وأهلية عددٍ من الهيئات المُنتخبة»

أما في البند الثاني، فقد شُطبت الفقرات ب، ج، د، هـ، التي تضم آلية تنظيم العملية الانتخابية للهيئات المحلية. وإذا شغر منصب من المناصب في الهيئة المحلية «يملأ الشغور بقرار من الرئيس». وبعد أن كانت إقالة أيّ عضو من مسؤوليته في الهيئة المحلية تتم بقرار من مجلس التحكيم، عُدّلت الفقرة ب من البند الخامس، لتُصبح: «تتم إقالة أي عضو من مسؤوليته (...) بقرار من الرئيس بناءً على توصية من هيئة القضاء أو بقرار من مجلس التحكيم».
القرار الثاني يتناول المادة السابعة في النظام الداخلي: هيئة ومجلس القضاء. في ما خصّ هيئة القضاء، كانت تتألف من «أعضاء يتم انتخابهم من الملتزمين في التيار في القضاء بالاقتراع السرّي، على أساس نسبي وبلوائح مقفلة مع اعتماد الصوت الترجيحي». بعد التعديل، ستُصبح هيئة القضاء تتألف من «خمسة عشر عضواً، يُعيّنهم الرئيس بناءً على اقتراح نائب الرئيس للشؤون الإدارية». وتُشطب الفقرات ب، ج، د، هـ، الخاصة بتنظيم العملية الانتخابية. في هذا القرار أيضاً، ستُصبح إقالة أي عضو من هيئة القضاء تتم «بقرار من الرئيس بناءً على توصية من نائب الرئيس للشؤون الإدارية وبقرار من مجلس التحكيم». أما البند الخامس، «تكوين مجلس القضاء»، فقد أُضيف إلى أعضائه بعد التعديل مسؤول الخدمات في هيئة القضاء، وخمسة أعضاء تنتخبهم الهيئة العامة الحزبية في القضاء (كانوا أربعة). مهمات مجلس القضاء المطلوب إضافتها هي: متابعة الانتخابات البلدية في القضاء، إعداد دراسات لحاجات القضاء، السعي لتنفيذ المشاريع بالتعاون مع البلديات، المتابعة السياسية بشكل عام، مراقبة عمل هيئة القضاء والهيئات المحلية، تقديم شكوى إلى الرئيس بحق هيئة القضاء في حال المخالفة.
القرار الثالث يتعلق بتكوين المجلس الوطني، فيحل، بحسب التعديل المطروح، «أعضاء مجالس الأقضية محل منسّقي الأقضية»، في المجلس، وإعطائه صلاحية «إقالة منسّقي وأعضاء هيئات الأقضية ومنسّقي اللجان المركزية والقطاعات وأعضاء المجلس السياسي المُعيّنين بطلب مُعلّل من ثلث إجمالي الأصوات ومن ثمّ موافقة أكثر من نصف الأصوات».
القرار الرابع، يُدخل تعديلاً على مهمات رئيس الحزب وصلاحياته، وهي «تعيين منسّقي وأعضاء هيئات الأقضية».
والقرار الخامس، يتضمن تأكيد المجلس الوطني «على حقّ الرئيس بتأجيل الانتخابات الداخلية، لما بعد إجراء الانتخابات النيابية المنوي إجراؤها بتاريخ 6/5/2018، لفترة لا تتخطى نهاية شهر تشرين الأول 2018، على أن تُعتبر كافة الهيئات المحلية وهيئات الأقضية بحكم المستقيلة اعتباراً من تاريخه، وعلى حقه (الرئيس) استناداً للنظام بتعيين من يراه مناسباً في أي مركز من الهيئات المذكورة بحسب ما تتطلبه عملية تحويل الهيئات إلى ماكينات انتخابية حسب النظام».
نائب رئيس «التيار» للشؤون الإدارية رومل صابر يقول، في اتصال مع «الأخبار»، إنّ ممارسات الهيئات المحلية وهيئات الأقضية «أظهرت لنا أنّه من أجل تحسين الإنتاجية والالتزام الحزبي على الأرض، يجب إدخال هذه التعديلات. بالنتيجة، النظام غير مُنزل، ومن المُمكن أن نُعدّله كلّ فترة، ليتطور مع حاجاتنا»، نافياً أي نية لدى باسيل لتعزيز سيطرته على الحزب. ويُقلّل صابر من أهمية إلغاء الانتخابات في الهيئات المحلية وهيئات الأقضية، وضرب الديمقراطية، من خلال إشارته إلى أنّ «الانتخابات ستبقى موجودة داخل مجالس الأقضية، الذين ينُتخبون من الهيئة العامة».
يُخبر أحد المُطّلعين على مسودات النظام الداخلي لـ«التيار» أنّه منذ البداية «أراد باسيل وضع قوانين تسمح له بالسيطرة على القرار داخل الحزب. وحالياً، بمحاولاته إدخال تعديلات على النظام، يريد تعيين مسؤولين محسوبين عليه تحضيراً لانتخابات رئاسة التيار المقبلة، التي من المفترض أن تتم عبر اقتراع الشعب العوني».