عندما أنشئت الجامعة اللبنانية جرى تنظيمها على أساس إنشاء كليات في كل المحافظات، على أن تستكمل لاحقاً بمجمعات جامعية تضم المكتبات والسكن الطلابي والمطعم... يومها، كانت الحركة الطلابية ناشطة، ومن أبرز مطالبها تأمين مطعم داخل الجامعة بشروط تناسب وضع الطلاب الصحي والمادي، وتأمين النقل اللازم للطلاب إلى الكليات بأسعار متهاودة.
إبان الحرب، في العامين 1976 و1977، أنشئت الفروع الثانية بصورة مؤقتة، نظراً لصعوبة تنقل الطلاب بين المناطق. أما إدارة هذه الفروع فكانت تتم عبر تعيين رئيس الجامعة لمديرين بناءً على رأي السلطة السياسية المحلية. طريقة التعيين هذه لا يزال معمولاً بها إلى يومنا هذا. هذه الفروع المستحدثة بداعي ظروف الحرب، تم تكريسها فروعاً قائمة وفق المرسوم الاشتراعي الرقم 122/77. ومن ثم كرت سبحة التفريع مشرذمة وحدة الكليات.
في عام 2009، حصل تشعيب سياسي لفروع كلية العلوم، من دون الإرتكاز على أية خطة أو دراسة علمية توضح أسباب التشعيب وغايته. وعندما صدر مرسوم التشعيب، كانت الفروع الثالثة والرابعة والخامسة ــــ ولا تزال ــــ تعاني من ترهّل الأبنية المستأجرة ونقص في التجهيزات المخبرية، فيضطر الطلاب للذهاب إلى الفرعين الأول والثاني لاستكمال مختبراتهم التعليمية الإلزامية. وكان طلاب الفروع الثلاثة يعانون من عدم توفر كامل مروحة اختصاصات كلية العلوم، أو وجود السنة الأولى منها فقط، ما يضطرهم للذهاب إلى الفرعين الأول والثاني لإتمام اختصاصهم (في حينه، كان الحصول على إجازة «ماستر ــــ ١» إلزامياً من أجل التقدم إلى امتحانات مجلس الخدمة المدنية لمركز أستاذ تعليم ثانوي). وبعض هذه الفروع كان يدرّس المواد فقط باللغة الفرنسية، من دون توفر التعليم باللغة الإنكليزية (الفرع الرابع في زحلة مثالاً). هذا الخلل وعدم المساواة بين الفروع وبين الشعب من ناحية الأبنية والمستلزمات والإختصاصات، استتبعه خلل في المستوى التعليمي ومستوى الإمتحانات بين الفروع.
صحيح أن محتوى المقررات واحد في كل الفروع، لكن عدم توحيد المراجع وغياب الكتاب الموحد للمقرر، والتباين الكبير في مستوى المسابقات، كلها أضعفت المستوى الأكاديمي للكلية. ومما زاد في الطين بلة، أن القرار بالتشعيب شكل باباً لإدخال عدد كبير من الأساتذة إلى كلية العلوم كيفما اتفق، وفي أغلب الأحيان من دون درس الملفات العلمية والأكاديمية لهؤلاء الأساتذة والإكتفاء بدراسة هوياتهم الطائفية والحزبية.
أما في ما يخص التفاوت في الإنتاج البحثي للفروع فحدّث ولا حرج؛ إذ أن هناك فروعاً ليست فقط محرومة من المختبرات العلمية البحثية، إنما من أبسط مستلزمات البحث، وهي مكاتب للأساتذة مع ما يلزم من تجهيزات البحث العلمي من كومبيوتر وآلة طابعة وإمكانية الوصول للمقالات العلمية... إذاً بدل أن يتم الضغط لرفع ميزانية الجامعة اللبنانية بهدف بناء المجمعات الجامعية، يدعو مجلس الجامعة إلى التقشف وعصر النفقات وخفض ميزانية الأبحاث، وفي الوقت عينه يوافق مجلس الوزراء على التفريع. هل من يفسر هذا التناقض؟ أليس الأجدى تأمين أبسط لوازم التعليم، وهي الأقلام التي يشتريها الأساتذة على نفقتهم، قبل البدء بالتفريع؟ كيف ستكون هذه الفروع (أبنية، مختبرات، سكن طلابي، مطعم...)؟ أليست على غرار الشّعب المستحدثة التي تكلف الدولة أكثر بكثير مما لو تم تأمين الظروف المعيشية الضرورية للطلاب في الفروع الموجودة (نقل + سكن + مطعم)؟
ما يطرح اليوم من تفريع للكليات من دون تخطيط أو دراسة سيكون على غرار التشعيب في كلية العلوم. التفريع والتشعيب لم يضربا فقط المستوى الأكاديمي للكليات، إنما ضرب التلاقي بين الطلاب من مختلف المشارب الفكرية والاجتماعية والسياسية، أي ضرب الهدف الجوهري للجامعة الوطنية «جامعة الوطن ولكل الوطن». بحجة الإنماء المتوازن المفخخ في المناطق، بقي كل في منطقته وأصبحت الجامعة وكأنها مدرسة.
لكل ما تقدّم ذكره، ندعو رابطة الأساتذة المتفرّغين إلى تخطي الحسابات السياسية لأفرادها، وأخذ الموقف اللازم من قرار التفريع لما فيه مصلحة الجامعة اللبنانية. كما ندعو إلى التصدي، من الأساتذة والطلاب على حد سواء، لقرار التفريخ العشوائي لكليات الجامعة اللبنانية وفروعها، لما لذلك من آثار كارثية على المستوى الأكاديمي والبحثي، ومن ضرب لأهداف الجامعة الوطنية.

* أستاذة مساعدة في كلية العلوم
* عضو في مجموعة «من أجل جامعة وطنية مستقلة ومنتجة»