لا تهدأ أسنان الجرافات الإسرائيلية في نهش التربة الحمراء في خلة كروم الشراقي في خراج ميس الجبل (قضاء بنت جبيل). منذ شهر ونصف شهر، يواصل العدو الإسرائيلي جرف سفح الجبل تحت موقع العاصي العسكري، متخطّياً السياج الشائك بحوالى عشرين متراً باتجاه البرميل الأزرق الذي توافق الجيش اللبناني واليونيفيل على تثبيته كواحد من نقاط ترسيم الخط الأزرق الثلاث عشرة المتنازع عليها. مسافة الثلاثمئة متر التي تفصل بين السياج والبرميل، يستبيحها العدو بالجرف تمهيداً لتشييد جدار إسمنتي مرتفع يثبت فوقه كاميرات مراقبة.
وتلك المسافة هي منطقة لبنانية لا يعترف العدو بلبنانيتها وتندرج تحت المناطق التي تحفظ عليها لبنان خلال ترسيم الخط الأزرق عقب تحرير الجنوب عام 2000. أعمال الجرف المتواصلة غيّرت معالم المنطقة، ما يناقض مندرجات القرار 1701 الذي ينص على عدم المساس بالمناطق المتنازع عليها.
تنتهك الورشة المعادية لوحة الطبيعة الخضراء حيث اعتاد الأهالي التنزّه في الأرض التي حرروها. لم تؤثر الورشة القريبة من الأحياء السكنية على حركتهم. على وقع هدير الجرافات، سرحت النسوة «تسلّق» الأعشاب البرية وانبسط شبان تحت دفء الشمس يتناولون النرجيلة والشاي، ويحضر صاحب أحد الحقول لحراثة حقله تمهيداً لبذر الحبوب فيه. أهالي ميس لا يهابون العدو الذي اندحر ذليلاً قبل ثمانية عشر عاماً. يوقنون أن الجدار المرتقب جزء من منظومته الدفاعية الفولاذية التي يتلطى خلفها منذ أن لوّح السيد حسن نصرالله بدخول الجليل في أي حرب يشنّها العدو على لبنان. مصدر أمني لبناني يتابع الورشة أوضح لـ«الأخبار» أن جدار ميس الجبل هدفه «تغطية ثغرة كروم الشراقي التي تشكل خلة منبسطة لا يستطيع كشفها وضبط حركتها من موقع العاصي المقابل». ومن المنتظر أن يمتد الجدار من كروم الشراقي نحو الجنوب باتجاه بلدة بليدا لعشرات الأمتار حيث مناطق الاحتكاك قريبة بين أراضي ميس المحررة والجانب المحتل. على التلة المقابلة، استحدث الجيش اللبناني نقطة مراقبة يوجد فيها عدد من الجنود، في حين تسيّر الكتيبة النيبالية المستقرة في البلدة دوريات عدة لتسجيل التحركات. لا يتخطّى دور الجيش واليونيفيل المراقبة والرصد وتسجيل الإحداثيات. حتى إن انتشارهم يقع على بعد مسافة كبيرة من الورشة.

الأشغال في رأس الناقورة قد تؤدي إلى تغيير الحدود البحرية،
لا البرية وحسب


البدء بتشييد جدار ميس تزامن مع إعلان العدو نيته تشييد جدارين فولاذيين على الحدود الشمالية في رأس الناقورة وفي كفركلا بمحاذاة مستعمرة المطلة (سوف يبنيان من الفولاذ وسياج شائك وتركب عليهما قطع حديدية مسنّنة). ميدانياً، لم تبدأ الأشغال في جدار المطلة، لكنها انطلقت في جدار رأس الناقورة قبل أيام. وكان العدو قد أعلن في شهر أيار من العام الماضي عن مشروع تشييد الجدار الذي سمّاه «ساعة الرمل»، بعد تمكن مواطن لبناني من التسلل من المطلة ووصل إلى مستعمرة كريات شمونة على بعد كيلومترات عدة من الحدود. وربط العدو الجدار بمخاوفه من «غزو حزب الله برياً لشمال إسرائيل، ومحاولة الاستيلاء على التجمعات الإسرائيلية على طول الحدود».
أما في رأس الناقورة، فلا تقف الأشغال عند انتهاك الأرض اللبنانية وتغيير الحدود البرية فحسب، بل تتعداها إلى تغيير الحدود البحرية، ما يهدد لبنانية البلوك النفطي العاشر الواقع في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة بمحاذاة الحدود الفلسطينية المحتلة، إذ تجري الأشغال في منطقة متنازع عليها داخل السياج الشائك قبالة موقع الوحدة الإيطالية حيث يعقد الاجتماع الثلاثي بين اليونيفيل والجيش اللبناني وجيش الاحتلال.



صدمة الجانب الرسمي اللبناني من الاعتداء على الأراضي اللبنانية لا تبرر العلم المسبق بالمخطط المعادي الذي تسرّبت معلومات عنه عقب معركة شجرة العديسة عام 2010. وفق مصدر أمني لبناني، فإن «العدو نقل لقيادة اليونيفيل رغبته في تشييد الجدار الفاصل على غرار ما فعل على الحدود مع الأردن ومصر والضفة الغربية. إلا أن قائد اليونيفيل الأسبق الجنرال ألبرتو أسارتا رفض المقترح الذي أعيد طرحه مجدداً على خلفه الجنرال الإيطالي باولو سيرا. في عهد سيرا، نفذت أولى مراحل المخطط عند بوابة فاطمة في كفر كلا، أكثر المناطق احتكاكاً على طول الحدود. في وقت لاحق، تسرّبت تقارير عن عرض اسرائيلي مرّر للجانب اللبناني يقترح مقايضة المناطق اللبنانية المتنازع عليها وإعطاءها للعدو في مقابل إعطاء لبنان أراض في مناطق أخرى على طول الحدود. لكن ميدانياً، لم يكن العدو ينتظر القرار اللبناني، بل كان ينتقل من مرحلة إلى أخرى. قبل نحو عام، شرع في شق طريق عسكرية في مزارع شبعا المحتلة. ورغم اعتراض الدولة واليونيفيل، لم تتوقف الأشغال في الطريق التي بلغ طولها أكثر من 800 متر داخل الأراضي اللبنانية. استطاع العدو فرض أمر واقع والتصرف على أساس أن المنطقة جزء من الأرض المحتلة، بحجة أنها تقع ضمن الخط الأزرق باتجاه فلسطين. المخطط ذاته يطبّق في رأس الناقورة وميس الجبل وغيرهما تباعاً».
إزاء الاحتلال التدريجي الجديد، ماذا تفعل قوات اليونيفيل؟ في إجابة عن سؤال «الأخبار»، قال الناطق الإعلامي باسم قيادتها أندريا تيننتي إن «قيادة اليونيفيل تتواصل مع كلا الطرفين من أجل إيجاد حل مشترك لهذه المسألة، وفي حال طلب منها، ستعمل على مواصلة تحسين الترتيبات الأمنية في هذا المجال. ونظراً إلى حساسية المنطقة، نرى أن من الضروري التوصل إلى حلول متفق عليها مع كلا الطرفين لتخفيف احتمال حدوث توترات متفرقة وتقليل نطاق أي سوء فهم محتمل بين الأطراف». ماذا عن انتهاك المناطق المتنازع عليها؟ قال تيننتي إن اليونيفيل «تواصل التأكيد على مدى حساسية القيام بأي أعمال على طول الخط الأزرق. ومن الأهمية بمكان أن يستفيد الطرفان من ترتيبات الاتصال والتنسيق، بما في ذلك الاجتماع الثلاثي، من أجل إيجاد حلول ترمي إلى منع الانتهاكات وتقليل التوتر والحفاظ على الاستقرار في منطقة عمليات اليونيفيل». حتى ذلك الحين، «تواصل اليونيفيل متابعة ورصد الوضع في منطقة عملياتها حيث الوضع لا يزال هادئاً بوجه عام»، بحسب تيننتي.