بسبب «السمسرة» التي كان يديرها صهرها، لمصلحته ومصلحتها، أخذت الهيئة العليا للتأديب قراراً بصرفها مِن وظيفتها. نُبّهت إلى الأمر مراراً، وعلى مدى سنوات، فلم تُغيّر شيئاً. العقوبة قاسية: طرد. هي رئيسة دائرة المؤسسات المصنّفة في جبل لبنان، التابعة للمحافظ، التي كان التفتيش المركزي أحالها إلى «التأديب» منذ أكثر مِن عشر سنوات.
لا شيء يدفع الموظّف في لبنان إلى التمادي، رغم تنبيهات إدارته، أكثر مِن «الغطاء السياسي». لكن هذا لا ينجح دائماً. كانت قبل منصبها الأخير، المصروفة مِنه، تشغل منصب قائمقام عاليه. نجد في الأرشيف أنّ زعيم المنطقة هناك، وليد جنبلاط، استقبل وفداً مِن عائلتها، قبل نحو 14 عاماً، لتقديم الشكر له «على اختيارها» لشغل ذلك المنصب. هكذا تجري أمور التوظيفات عادة في لبنان.
ما حكاية «السمسرة» التي أسقطت الموظّفة الحكوميّة؟ كان صهرها يداوم على الحضور عند باب دائرتها. هي مَن أتت به. أصبح بمثابة موظّف هناك. عمل يُطلق عليه عادة توصيف «مُعقّب معاملات». هو صلة الوصل بين «الزبائن» وأختام رئيسة الدائرة: ترخيص لمحطّات وقود، مصانع ومعامل، مزارع، مقالع وكسّارات... «خلافاً للأصول». على سبيل المثال، بحسب التحقيقات، تبيّن أنّ رخصة (غير مستوفية للشروط) حصل عليه أحد النافذين الجنبلاطيين، لإنشاء مزرعة، مقابل 25 ألف دولار. هذا المبلغ تدخل الرشوة ضمنه. أصبح الأمر مكرّساً. لا تخرج معاملة إلا ويكون صهرها قد «قبض اللازم». ذات مرّة، ذهب «التفتيش» إلى دائرتها، وعاين وجود الصهر ودوره، فطلب مِنها صرفه. لم تمتثل. طلب منها ذلك مجدّداً، ومُجدّداً لم تفعل. في المرّة الثالثة أحيلت إلى «التأديب». ظلّت القضيّة بلا قرار نهائي، وهي في عملها، فُعقِدت لها جلستان تأديبيّتان، أولى وثانية، وهي على ما هي عليه، إلى أن جاء قرار صرفها. بحسب تقدير المحققين، على تعاقبهم، فإن المبلغ الداخل إلى الجيب، عبر الصهر، يتراوح بين 10 إلى 20 ألف دولار يوميّاً. ربّما لا تكون الأرقام دقيقة، أقل أو أكثر، إنّما تبقى كمؤشر إلى ما يمكن لموظف أن يجمعه مِن ثروة. تبيّن أنّها، مع دائرة عائلتها الضيقة، أصبحت تملك نحو 13 عقاراً. اكتسبت أكثرهم منذ بداية شغلها منصبها. العقارات موزّعة بين بيصور وعاليه والشيّاح. لم يتضح ثمن هذه العقارات.
هل هي وحدها الموظّفة «غير المستقيمة» في الإدارة اللبنانيّة؟ طبعاً لا. المسألة ليست عند هيئة التأديب، التي تبتّ بما يصلها مِن التفتيش، وبالتالي فإنّ المسألة عند الجهة الأخيرة. التفتيش لا يُحيل ملفّات إلا بما يشبه القطّارة. كأنّ لبنان ليس مِن أكثر دول العالم فساداً! في الواقع، ربّما لو أحيل كلّ فاسد في الإدارات اللبنانيّة لما بقي مَن يُدير تلك الإدارات. غالباً لا تحصل الإحالة إلا عندما يُكشف ظهر الموظّف، أي، بتوصيف أدق، عندما يفقد الغطاء السياسي. بعض «الأغطية» هذه تغسل يديها مِن المحسوب عليها، بعد أن يقع، وبعد أن يكون استوفى «حلبه»... أو عندما يكون التورّط في الدفاع عنه يجلب ضرراً أكثر مِن النفع. اللافت أنّ الوزير السابق، وئام وهّاب، وهو الخصم الجنبلاطي، تطوّع بنفسه للدفاع عن تلك الموظّفة أخيراً. هو مَن كشف اسمها في إحدى إطلالاته التلفزيونيّة، علماً أنّ الجهة الرسميّة لم تذكر اسمها في قرار الصرف. هدّد وهّاب هيئة التأديب، التي يرأسها القاضي مروان عبود، قائلاً: «يلي مفكّر الموظف الآدمي ما عنده سند فرح فرجيه إنه عنده سند، هيدا بسين جبان ما بيسترجي يتعاطى مع سياسي فبيجي بيتمرجل على موظفة، بكرا بفرجيهم شو رح يصير فيهم، وإيه عم هدّد». لم يخرج مِن جسم الدولة مَن يُدافع عن الدولة في وجه وهّاب، لا قضائيّاً ولا حتّى ببيان إدانة، فيُترك القاضي وحده في وجه الإهانات والتهديدات. يستغرب البعض سبب استزلام القضاة لهذا الزعيم أو ذاك بغية توفير الحماية! عموماً، إنّه موسم الانتخابات النيابيّة. سنشهد الكثير مِن «العنتريّات» في المدّة التي تفصلنا عن الاستحقاق.