66 ثانية، هي مدة الشريط الذي سُرّب ليل أمس للوزير جبران باسيل، كانت كافية لإشعال حرب يؤمّل أن تبقى محصورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأوصلت التوتر الذي اندلع حول مرسوم أقدمية ضباط دورة العام 1994 بين بعبدا وعين التينة الى مستويات غير مسبوقة.
وصف باسيل لرئيس مجلس النواب نبيه بري بـ«البلطجي»، في جلسة مغلقة، أطاح الجهود التي كان قد بدأها حزب الله لتخفيف التوتر. وفيما لم يصدر حتى وقت متأخر من ليل أمس أي تعليق عن عين التينة، قالت مصادر في مقر الرئاسة الثانية إن الرئيس بري «مستاء جداً، وقد تلقى عدداً كبيراً من الاتصالات عكست له أجواء متشنجة في صفوف المناصرين وصعوبة في ضبطهم على مواقع التواصل الاجتماعي».
وفور انتشار الشريط المصور على مواقع التواصل الاجتماعي، قال باسيل في اتصال مع «الأخبار»: «أعرب عن أسفي لما سرّب من كلام لي في الاعلام أتى في لقاء مغلق في بلدة بترونية بعيداً عن وسائل الاعلام، لا سيما انه خارج عن أدبيّاتنا وأسلوبنا في الكلام، وقد اتى نتيجة المناخ السائد في اللقاء؛ مهما تعرّضنا له فاننا لا نرضى الانزلاق بأخلاقيّاتنا».
وزير المال علي حسن خليل، من جهته، قال في اتصال مع «الأخبار» إن «الخطوط الحمر سقطت»، و«إنهم يأخذون البلد الى مواجهة لا نريدها. لكننا جاهزون لها أياً يكن شكلها». وأضاف: «كنا نعتقد أن رئيس الجمهورية في منأى عما يدور. لكن ما جرى يظهر أنه طرف». وغرّد خليل على «تويتر» أن «مع المسّ بالرئيس بري سقطت كل الحدود التي كان يضعها أمامنا لفضح الكل في تاريخهم وإجرامهم والقتل والصفقات والمتاجرة بعنوان الطائفية. ولنا بعد الآن كلام آخر». وعلمت «الأخبار» أن وزير المال سيطرح الأمر في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، فيما قالت مصادر في أمل إن أصداء الشريط وصلت الى أبيدجان التي من المقرر أن تستضيف في 2 و3 من الشهر المقبل مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي يرعاه باسيل. وأوضحت أن مناصري الحركة هناك أكّدوا أنهم يستعدون لتحرّك لمواجهة المؤتمر الذي لم يُعرف بعد ما إذا كانت أحداث الساعات الأخيرة ستؤدي إلى إرجائه.
السجال الاعلامي وانفلاته في الأيام الأخيرة كان قد دفع بحزب الله إلى التخلي عن التقية التي مارسها منذ بداية الأزمة، وقرر الدخول إلى حلبة الصراع الآخذ بالتوسع بين الرئاستين لفرض التهدئة. وقد صبّ لقاء باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا الجمعة الماضي في هذا الاتجاه. إلا أن شريط الأمس أطاح على ما يبدو بكل هذه الجهود، ونقل المواجهة الى مستوى آخر ليس معلوماً بعد كيف سيتصرف حزب الله تجاهها.
القصف الإعلامي اشتعل أيضاً داخل محاور التيار الوطني نفسه، بعدما اعتبر مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية الوزير السابق الياس بوصعب، في مقابلة تلفزيونية، أن اللغة التي يتم التداول بها عبر «أو تي في»، «ليست من أدبيات التيار»، لافتاً الى أنّه «لا قرار من التيار الوطني الحر أو رئيسه لإجراء تقارير تلفزيونية تهاجم رئيس مجلس النواب نبيه بري». وبعد المقابلة، تعرّض بوصعب لحملة عنيفة من ناشطي التيار على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اعتبر أن «الوجود السوري في لبنان لم يكن يوماً بمثابة احتلال، إنما كان وجوداً ضرورياً». وهو ما استدعى توضيحاً أصدره مكتبه أشار فيه الى أن ما قاله بوصعب حرفياً هو أن «الحكومات المتعاقبة هي التي شرّعت الوجود السوري عبر جميع بياناتها الوزارية، لذلك هو لا يعتبر احتلالاً، فقد كان مشرعاً من بعض اللبنانيين الذين كانوا في الحكم». وشنّت قناة «أو تي في»، في نشرتها المسائية، هجوماً عنيفاً على بوصعب من دون أن تسميه، مشيرة الى «أننا لا ننطق باسم هوى أو مصلحة أو شيخ أو أمير أو حاكم أو ظالم... ولا أرصدة لنا في مصارف مشبوهة، ولا أعمال تربطنا بأنظمة مافيوية، ولا شركاء لنا من عائلات النهب والضرب والسلب... ولسنا دخلاء ولا طارئين، ولا لاهثين وراء كرسي، ولا متوسلين لمقعد».
انتخابياً، وبعدما حسم حزب الله وحركة أمل تحالفهما الانتخابي والاستراتيجي، كان بارزاً أول من أمس تحرّك النائب وليد جنبلاط باتجاه عين التينة، مُعلناً حسم التحالف مع الرئيس بري. إذ قال إن «التحالفات مع رئيس المجلس محسومة، لكن مع الغير غير محسومة، في إشارة إلى التيار الوطني والقوات والكتائب والمستقبل والأحرار». وفيما وصف جنبلاط مُضيفه بأنه «ركن أساسي في اتفاق الطائف»، قالت مصادر الحزب الاشتراكي إن رئيسه «أعلن فشل الوساطة بين بعبدا وعين التينة، بعدما رفضت الرئاسة الأولى كل ما اقترحناه».
وفي حين يتوجّه الرئيس سعد الحريري خلال يومين الى تركيا، زاره جنبلاط ليل أمس في منزله في وادي أبو جميل. وقالت مصادر الأخير إن «الزيارة انتخابية،، وتناول البحث مسألة التحالفات في الشوف وبيروت، ولا سيما في ظل إصرار الحريري على ترشيح النائب محمد الحجار، واستيائه من اختيار فيصل الصايغ عن المقعد الدرزي في بيروت من دون التنسيق معه». وصرّح الحريري بعد اللقاء قائلاً «إذا كان مرسوم الأقدميّة يحكم البلد فهذه مشكلة، وأنا أعمل لتسوية سياسيّة، الا أنني لا أملك الحل، وآمل أن أصل إليه».
وعلمت «الأخبار» أن لقاء للبحث في الانتخابات سيعقد اليوم بين باسيل ومستشار رئيس الحكومة نادر الحريري.
من جهة أخرى، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «سياسة​ ربط النزاع غير الشعبية مؤقتة، والتسوية لا يقدم عليها إلا الشجعان، وعلى رأسهم الرئيس ​الحريري​، الذي لا يستطيع ولا يرغب في أن يتخلّى عن حقّ أيّ منّا»، لافتاً الى أنه «لا شرعية لسلاح ​حزب الله​ إلا من ضمن استراتيجية دفاعية وطنية تديرها الدولة وعنوانها الوحيد استعمال السلاح بمواجهة العدو الإسرائيلي». وعن الانتخابات، كشف أن «لوائحنا ستكون مكتملة في كلّ لبنان، ولن نسمح ولن يسمح جمهور الشهيد رفيق الحريري لفائض الغلبة في الترشيحات بأن يصل إلى مبتغاه».
(الأخبار)